الإثنين 2015/01/19

آخر تحديث: 18:25 (بيروت)

#جهزوا_ملاجئكم... لمَن؟

الإثنين 2015/01/19
#جهزوا_ملاجئكم... لمَن؟
increase حجم الخط decrease

لمَن يوجه المستخدمون الممانعون في مواقع التواصل الإجتماعي هاشتاغ #جهزوا_ملاجئكم؟ فقد أوقع متلقيه في حيرة من سلامتهم، خصوصاً أن انتشاره كان مسبوقاً ببوستات وتغريدات كثيرة عن اندلاع الحرب بين ساعة وأخرى. إذ أن حزب الله سيرد على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت عدداً من أعضائه داخل منطقة القنيطرة، وبالتالي، سيباشر السلاح الجوي الإسرائيلي في تدمير البلاد. على إثر ذلك، لا بد للساكنين في لبنان أن يستعدوا لهذا الحدث، مجهزين ملاجئهم، التي سينزلون إليها عندما يحين وقت الخطر.

ظن البعض من متلقي الهاشتاغ في لبنان أنهم معنيون به، انطلاقاً من توافقه مع شيوع القلق لديهم نتيجة الكلام عن حرب وشيكة. تلفقوا الوسم كأنه دعوة لأخذ الحيطة والحذر عبر المكوث في المخابئ المحصنة تحت منازلهم، وكأنه دليل على صحة قلقهم، الذي أصبح الآن خوفاً. التنبيه إلى تجهيز الملجأ أتى ليستكمل إشاعة الحرب، ويرسخ ترقبها. ففي وقت انتظارنا لها، لا بأس من إعداد المخبأ، وجعله ملائماً لاستقبالنا، ولمّا تندلع، نكون في مأمن منها.

بهذه الطريقة، نستبق الحرب. نكون أسرع من وقوعها، لدرجة الوصول إليها قبل أن تبلغنا. نقلق، ننتظر، نجهز، نخاف، وعندما تلقي الطائرات صواريخها علينا، لا تداهمنا، فنحن علمنا بقدومها قبلها. لن تثير فينا الهلع، سنخاف فقط، ونظل على هذا الوضع حتى تقضي علينا أو تنتهي الحرب.

وفي الحالة الثانية، سنرجع إلى قلقنا، ليعود ويدفعنا إلى إعداد مخابئنا، والإنتظار من جديد. ففي سياق الدعوة إلى تجهيز الملاجئ، يصبح استباق الحرب بمثابة ترقبها، والعكس صحيح، مثلما يتعادل الخوف منها مع الخوف عليها.

ماذا لو جهزنا ملاجئنا ولم تأتِ الطائرات لتقصفنا؟ هل نستمر في انتظار الغارات بعدما أنهينا التجهيز، لا سيما أننا لا نقدر على العودة إلى القلق، وتجريده من موضوعه بعد إشاعة الحرب، ولا الذهاب نحو الخوف قبل اندلاعها، ماذا نفعل؟ نترقب، نثبت في الترقب، ولكي ننتهي منه، لا مجال لنا سوى تمني وقوع الحرب، والسعي إليها. المهم أن نبدد الإنتظار، أن نخاف، والمهم أن لا يذهب تجهيزنا سدى.

لذا، فجأةً، يتذكر البعض الآخر من متلقي وسم "جهزوا ملاجئكم"، أن الملاجئ في لبنان إما قليلة أو ليست قادرة على الصمود عمرانياً تحت الضربات الجوية. فيعلمون أنهم ليسوا المعنيين بدعوة التجهيز. إذ أنها موجهة، من هذه الناحية، إلى الإسرائيليين، ولم تعد دعوة، بل صارت "هاشتاغ" تهديدياً. ذلك، أنه من الممكن تلقي عبارات الوسم بوجهتين على أساس وضع قرائه، من دون أن يفقد أي عبارة من عباراته، وبلا أن تتغير تركيبته الجُملية. مع العلم أن وجهتيّ التلقي المزدوج هذا غير منقطعتين. فلأن الوجهة الأولى، أتت كدعوة موجهة إلى اللبنانيين للإحتماء من صواريخ الطائرات الإسرائيلية، جاءت الوجهة الأخرى كتهديد موجه إلى الإسرائيليين بإطلاق صواريخ حزب الله عليهم.

الوجهتان تلتقيان في فعل واحد، أي دفع المتلقين إلى تجهيز المخبأ، لكن بطريقتين: المدعو، لينتقل من الإنتظار إلى الخوف، فيحتمي فيه، ويؤكد وقوع الحرب المرتقبة به. والمهدد، لينتقل من خوفه إلى التخفيف منه، أي إلى القلق والطمأنينة، ويحتمي فيهما. الملجأ، عند قراءة الهاشتاغ كدعوة، هو مكان للخوف، وعند قراءته كتهديد، هو مكان للإطمئنان القلق أو القلق المطمئن.

فعلياً، إلى ماذا يؤدي هذا الهاشتاغ على اعتبار أنه تهديد؟ عندما يأخذه الإسرائيليون على محمل الجد، سيخافون، وينزلون إلى ملاجئهم حيث يطمئنون على قلقٍ أو يقلقون على طمأنينة. ومع تأخر سقوط الصواريخ على منازلهم، سيستحيلون منتظرين، أي أنهم سينتقلون من الخوف إلى الإطمئنان ثم إلى القلق، وفي ما بعد الانتظار.

فتهديد الإسرائيليين بـ"جهزوا ملاجئكم" يعني، في هذه الجهة، "استعدوا للإنتظار"، وموضوعه حرب مؤخرة أو رد مؤجل. أما، بالنسبة لأخذ الوسم على سبيل الدعوة، فيجري تلقيه بالإنتقال من الإنتظار الإستباقي، نتيجة إشاعة الحرب، إلى الخوف. فدعوة "جهزوا ملاجئكم" تعني هنا "استعدوا للخوف من الحرب، إن وقعت، وعلى الحرب، إن لم تقع".

باختصار، الوسم يحول المهددين به إلى منتظرين، والمدعوين عبره إلى خائفين (من وعلى في الوقت نفسه). في التحول الأول، يتدنى احتمال وقوع الحرب، للحفاظ على وضع انتظارها الإسرائيلي (خوف-قلق-انتظار)، وفي التحول الثاني، يرتفع احتمال اندلاعها، معطوفاً على إمكان المطالبة بها، لتبديد الترقب وتأكيد الخوف (قلق-انتظار-خوف). فلكي ينتظر الإسرائيليون، علينا، في لبنان، أن نخاف وقوع الحرب وعدم وقوعها على حد سواء. فهل تُجهز الملاجئ؟

لقد وصف إعلام الممانعة أن الغارة محاولة للقضاء على حزب الله في "معركته ضد التحالف بين اسرائيل والجماعات التكفيرية". ربما سـ"يرد" الحزب على الطرف الثاني من "التحالف"، أو بالأحرى سيستمر في "الرد" عليه، تاركاً الأول على طلعاته الجوية حتى "تحديد الزمن والمكان المناسبين". فهؤلاء، الذين "يتعارك" معهم، على حد قوله، في سوريا، قتلهم أسهل ومتفق عليه عالمياً، فلا حاجة لتحويلهم إلى قلقين أو منتظرين أو خائفين: البراميل، البراميل تسقط عليهم، ولا ملاجئ ينزلون إليها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها