السبت 2015/07/25

آخر تحديث: 16:25 (بيروت)

كارول معلوف لـ"المدن": أناصرُ الثورة السورية.. وأشجب تجاوزات "النصرة"

السبت 2015/07/25
كارول معلوف لـ"المدن": أناصرُ الثورة السورية.. وأشجب تجاوزات "النصرة"
increase حجم الخط decrease
ليست سهلة ولا آمنة الرحلة إلى سوريا، وإدلب المحررة حديثاً على وجه الخصوص. إذ في حين أن من بقي من سكان المدينة، جهزوا عدتهم لمغادرتها والرحيل عنها، لعلمهم أن النظام كعادته سوف يمطرها بوابل من البراميل المتفجرة والصواريخ، خاضت الصحافية اللبنانية كارول معلوف، في نيسان/ أبريل الماضي، "الهجرة" المعاكسة باتجاه المدينة التي أضحت عنواناً للحرية والموت على حد سواء.

من بيروت إلى الحدود التركية ومنها إلى شوارع إدلب، تتجول معلوف بين الدمار والمقاتلين، وبين قلة من أهل المدينة، أعياها الفقر فأعدمها الوسيلة والمال الذي يستلزمه الرحيل. هؤلاء وغيرهم نقلت معلوف أوضاعهم ومعاناتهم واطّلعت على سير حياتهم اليومية، لتخرج من المدينة بعد أيام منتزعة قصصاً وصور من واقع ومرارة الحرب السورية، نقلتها للعالم أجمع.

وفي "هجرتها" الثانية نحو الحدث، مروراً بجرود عرسال وطرقاتها الوعرة، كانت الوجهة إلى مقابلة العسكريين اللبنانيين المختطفين لدى جبهة النصرة، حيث اقتطفت السبق بمقابلة والتقاط صور للمختطفين ولقاءهم مع عائلاتهم، بعد أن حازت ثقة الخاطفين وموافقة الأجهزة الأمنية اللبنانية.

السبق الصحافي ليس يسيراً في الحالتين، ولا كل صحافي يملك الجرأة أن يضع نفسه أمام الخطر لأسباب وأهداف قد يعلن عن بعضها ويبطن البعض الآخر. انطلاقاً من ذلك، حاورت "المدن" كارول معلوف للوقوف عند مخاطر عملها الاستقصائي وعند ماهية الثقة التي نشأت بينها وبين "جبهة النصرة"، وتأثير ذلك على موضوعيتها المهنية ومضمون تغطيتها.

من الواضح تركيزك مؤخرا على العمل في إطار الصحافة الاستقصائية، والمعروف أنها في الظروف العادية تنطوي على نسبة من المخاطرة. لكن عملك الأخير في سوريا وفي جرود عرسال يصنف ضمن مهام فائقة الخطورة، فما هو الدافع الذي حملك على خوض مثل هذه المجازفة؟ هل هو مجرد بحث مهني عن السبق الصحافي؟ أم هو بحث عن الحقيقة؟ أم بحث عن مجد خاص؟ 

- عملي في الصحافة الاستقصائية فرضه عليّ جهد تراكمي عمره 10 سنوات، عملت فيها في وسائل إعلام أجنبية متعددة، بدءاً من شبكة "سي إن بي سي" و"الجزيرة الإنكليزية"، وصولاً إلى عملي حالياً في صحيفة "دايلي تلغراف" ووسائل إعلام أخرى، ما اكسبني خبرة مهنية إضافة إلى نسج علاقات مع الكثير من المصادر، مما عزز مهارات التواصل بيني وبين الناس على الارض. ولناحية التعامل مع الخطر، خضعت، منذ سنوات، مع مجموعة من الصحافيين لدورة تدريبية مع الجيش البريطاني، تدربنا خلالها على كيفية التعامل مع الأخطار التي يحتمل تعرضنا لها في أماكن النزاعات، كالخطف أو السير في حقل ألغام أو كيفية التصرف في حال تعرضنا لإطلاق نار أو الإصابة.

هناك الكثير من الصحافيين ممن يملكون الخبرة والجرأة، لكنها على أهميتها ليست وحدها التي أعطتهم القدرة على نقل صورة واضحة وتغطية موضوعية لما كان يحدث حولهم لحظة تواجدهم على الأرض، مما يجعل السؤال يتخطى الاستفسار عن التقيد بالقواعد التقليدية ليذهب نحو التركيز على أسباب أخرى تميز عمل هؤلاء. فهل برأيك تلعب العلاقات الشخصية الدور الأهم بالتمهيد للحصول على مقابلات وتغطيات شاملة ودقيقة؟ أم أن أسلوب وشخصية الصحافي هي التي لها الدور الأهم بذلك؟ 

- أعتقد ان الأسلوب يلعب دوراً كبيراً في هذا الإطار. ومن ناحيني فإنّ ما أقوم به هو اعتمادي أسلوب أجنبي لإخبار قصص لجمهورعربي، وذلك بالطبع إلى جانب القدرة على الإحاطة بمختلف جوانب القصة.
من جانب آخر، فأنا لا أؤمن بأن أولوية الصحافي بتغطياته ونقله للأحداث يجب أن تكون حرصه على الموضوعية، بل توخيه الصدق في تعاطيه ونقله للمعلومة والحدث. فالصحافي لا يمكن أن يتجرد من رأيه وموقفه تجاه قضية أو حدث أو مشاهدات معينة. لذلك فإن انحيازي سيكون دائماً لصالح الضحية، التي لا يمكن مساواتها بالجلاد إن كان بالتعاطف أو إفراد الوقت والمساحة نفسها في القصص والمواد الصحافية، كما يحصل في الوضع السوري على سبيل المثال.

في أماكن النزاعات الخطرة لا تشفع أي خبرة صحافية أو ضمانات، حيث تسيطر أطراف متعددة ليس لها مرجعية واضحة، وترتفع احتمالات المخاطر والمفاجأت الأمنية كسرعة تبدل أماكن النفوذ، إذ سبق أن دفع صحافيون بارزون حياتهم وحريتهم كنتيجة لتقلب المزاج وصراعات بين القيادات. فما هي المحاذير والاحتمالات التي على الصحافي أن يفكر بها قبل توجهه إلى الميدان؟

- بالنسبة إلي، حين قررت الذهاب إلى إدلب،  لم أكن أعرف ماهية مضمون تغطيتي، وما الذي سأواجهه هناك وما سأنقله للناس. جلّ ما كنت أملكه هو ثقتي للأشخاص المرافقين لي، وقناعتي أن عملي هناك لن يكون لتقييم الجهات والتنظيمات المسيطرة على المنطقة، ولا إن كانوا على الحق أو الباطل. فكان سعيي هو أن أعاين الوضع بمجمله عن قرب، وأتعرف وأختبر كيف يعيش الناس هناك، وأدون تفاصيل حياتهم اليومية لكي  أنقل الصورة للخارج. ومن ميزات العمل التراكمي، هو المساعدة على بناء الأسلوب الخاص ورؤية الأمور من أكثر من منظار. لكن للأسف، بدل أن يرى البعض إيجابية هذا التفكير والتمعن بمضمون التغطية وما جاء فيها، ذهبوا باتهامي بتوصيفات متعددة، وبأنني مناصرة لجبهة النصرة.

من البديهي أن تكون تغطيتك مرحباً بها من جهة البعض، لكن ألا تخشين في المقابل من اتهام البعض الآخر لك بأنك تقومين بالتطبيع مع "جبهة النصرة" وتلميع صورته؟ 

- هناك نوع من الأشخاص لا يعنيني أبداً أن أوضح أو أشرح لهم موقفي أو أسلوب تغطيتي للأحداث أو مقاربتي للقصص، خصوصاً حينما يكونون من الأشخاص الديماغوجيين، ممن لن ينفع معهم أي توضيح أو حوار.
وبالنسبة إلي، أنا أناصر الثورة السورية، لأنها ثورة محقة. لكن ذلك لم يمنعني من رفض ما فعلته "جبهة النصرة" بإعدامها جنود لبنانيين، وكذلك أعلنت رفضي دخولهم إلى عرسال، مع أن "داعش" هي من ورطتهم بالأمر. فمهما تكن القناعة التي يرتكز إليها الصحافي، يجب أن تكون لديه الجرأة للوقوف إلى جانب الحق، والإعلان عن موقفه للعلن. ومهما طالتني انتقادات، إن كان بسبب ذهابي إلى إدلب، أو لمرافقتي لأهالي العسكريين المختطفين ولقائي بأمير الجبهة وبعض عناصرها، فإني اعتبر أن من واجبي كصحافية أن أنقل الوقائع كما رأيتها، دونما أية اعتبارات. فلا يمكنني أن أتجاهل مثلاً أن عناصر الجبهة قاموا بحمايتنا بطريق عودتنا من زيارة العسكريين، عند تعرضنا لمحاولة استهداف من قبل تنظيم "داعش"، علماً أن ذكر هذا التفصيل لا يعني أنني أهدف لتلميع صورة "جبهة النصرة" أو الترويج لها أو للفكر الذي تعتنقه وتدعو إليه.
لكن أكثر ما يزعجني في الحقيقة، هم الأشخاص الذين أعرف أن لديهم المستوى الفكري والثقافي الذي يمكنهم من مقاربة الموضوعات والقضايا بعقل منفتح، فيما هم يصرّون على مواقفهم وتعصبهم لأفكار معينة ويخشون الإعلان عن رأيهم الحقيقي.
وبرأيي فإن من  يريد أن ينشر أخباراً أو قصصاً أو تقارير عن جبهة النصرة مثلاً، عليه ألا يبنيها على أساس الترجيحات أو الافتراضات أو القراءات عن بعد، بل عليه أن يعاين عن قرب ويكتب وينقل الخبر من منطلق مشاهداته. حينها يمكنه أن ينقل الصورة بأسلوبه ورؤيته. وبالنسبة لي فأنا أقوم بتغطية قضايا الإسلاميين منذ عام 2004، وعلاقتي ومعرفتهم بي جيدة.

* هل تعتبرين أن التغطيات التي جئت بها من مناطق خاضعة لسيطرة "جبهة النصرة" أو حتى المقالات الأخرى حول قضايا تتعلق بما يجري في سوريا، ساعدت في بناء علاقة وثيقة مع جبهة النصرة؟ وهل كان هناك بعض الأمور التي فضلت عدم نشرها أو الإضاءة عليها، كي تحافظي على الثقة المتبادلة مع الجبهة؟

- عدم النشر في بعض الأحيان يقتضيه عدم الإفصاح عن معلومات قد تعرّض حياة أشخاص مدنيين للخطر. وهذا حصل معي بالفعل في إدلب، إذ اخترت عدم نشر معلومات كان من شأنها أن تعرّض الناس المتواجدين في المنطقة لخطر الاستهداف.

هل التزمت بالضوابط والشروط التي وضعت عليك من قبل "جبهة النصرة"؟ ولو كانت على حساب إمكانية تحقيق سبق صحافي؟

- لا يمكنني عدم الالتزام بالضوابط التي تضعها الجبهة، أثناء تواجدي في مكان خاضع لسيطرتها. فمثلاً جردت من هاتفي الخلوي عند مرافقة أهالي العسكريين خلال الزيارة،  فيما سمح لي أن ألتقط الصور من خلال هاتف الشيخ مصطفى الحجيري، بشرط ان أنشرهم مرفقين بعبارة "خاص كارول معلوف". وطبعاً أنا أطلعتهم على الصور التي التقطتها وعلى مضمون ما سأكتبه في مقالتي حول الزيارة، إضافة إلى إعلامهم باسم وسيلة الاعلام التي ستنشر المقال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها