الإثنين 2015/07/27

آخر تحديث: 18:26 (بيروت)

الدولة "بثقلها" في الواقع الافتراضي

الإثنين 2015/07/27
الدولة "بثقلها" في الواقع الافتراضي
increase حجم الخط decrease
الدولة المصرية في حاجة إلى "إنجاز" على الأرض بعد عدة أشهر من الأزمات المتلاحقة. لذلك كان التشغيل التجريبي لقناة السويس الجديدة قبل موعد افتتاحها الرسمي، مواتياً لتقديم شيء ما على الأرض. وبغض النظر عن مصداقيته وتأثيره من عدمه، فإن عبور ثلاث سفن في الخط الملاحي الجديد، كافٍ ليتصاعد الضجيج على الشاشات وفي الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي. لذلك لم تكد تمر دقائق على عبور السفن حتى دشنت الصفحة الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسي وسم #مصر_بتفرح ليكون نافذة رسمية لنقل ما تعتبره الدولة "فرحة شعبية" بالإنجاز "التاريخي" الأول للسيسي.

أقل من ساعة فصلت بين تدشين الهاشتاغ والفيديو الاستطلاعي الذي قدمته الصفحة نفسها للوقوف على ردود أفعال المواطنين في الشارع بالحدث، مع تدشين وسم #قناة_السويس_الجديدة، ليسيرا معاً على مسار طموح الدولة في خلق "حالة عامة". لم يقف الوسم عند ذلك الحد، بل كانت له تطلعاته التفاعلية في الواقع الافتراضي؛ إذ بشرت صفحة الرئيس بالقول: "ابعت صورتك بكلمة "مصر بتفرح"، أو "قناة السويس الجديدة"، وسيتم نشرها علي الحسابات الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسي".

تالياً، ظهر في "تويتر" وسم جديد، بدا كأنه رد فعل أول على تشغيل القناة، وهو #قول_للسيسي_شكراً، ويظهر النزوع الامتناني لدى من يؤيدون الدولة، جاعلين من تشغيل القناة إنجازاً ربما يعادل ما قبله، على الرغم من التذمر الذي تصاعد في الفترة الأخيرة بعد اغتيال النائب العام وأحداث الشيخ زويد، بعد الوعد الرئاسي "القديم" بالقضاء على الإرهاب في عام، وهو ما لم يحدث ولا يبدو أن الدولة قادرة على تحقيقه قريبا.

بالطبع، تباينت التغريدات في الوسوم الثلاثة، من التأييد المطلق والتهليل والمباركة التامة وإرسال رسائل إلى الإخوان والمعارضين من قبيل "موتوا بغيظكم"، وصولاً إلى السخرية من الخطوات المباركة ومن حقيقة هذا الإنجاز على أرض الواقع، وبالطبع كانت الغلبة لتغريدات السخرية والهجوم.

تحاول الدولة إذن أن تخلق لنفسها مساحة شرعية على الواقع الافتراضي لم تستطع تحقيقه حتى هذه اللحظة في فايسبوك وتويتر، كساحات مجال عام لا تقدر على السيطرة عليها أو تقنينها مثلما فعلت على أرض الواقع. فلما انتفت القدرة على المراقبة، تحاول الآن أن تلعب لعبة التواجد الافتراضي بشروطه، لذلك توالت الصور لمواطنين يحملون لافتات عليها الوسوم التي دشنتها الصفحة.

أما وسم شُكر السيسي، فيبدو مثل محترفي الهتاف في الاحتفالات الوطنية. هؤلاء الذين يزينون المشاهد الرئاسية المصرية عبر الزمن، وقد تحولوا إلى كائنات إلكترونية. لكن هذه المرة بأبجديات التواصل الاجتماعي، فخرج باهتاً كأنه تنويع على إحدى الدعايات التي أطلقت في رمضان الماضي شكرا على ثقتك.

العقلية التي تدير التواجد الافتراضي للدولة، ما زالت تعمل بعناصرها القديمة، على الرغم من وعيها بأن ظروف الانتشار الإلكتروني تختلف بشكل جذري عما تطاله يديها من صحف وشاشات فضائية، ما يجعل تواجدها محطّ سخرية ثقيلة من رواد ذلك العالم الحر. ما يحدث الآن، شبيه إلى حد كبير بما فعله الرئيس الأسبق حسني مبارك بتدشين موقع رسمي لحملته الرئاسية العام 2005، فتمت قرصنته من قبل مجموعة من الشباب ونشر كلمة المرور الخاصة به على المشاع.

حاليا يكتفي الرئيس السيسي بالتواجد الافتراضي "الحذر" في مواقع التواصل الاجتماعي، في انتظار أن يؤتي ثماره، لكن ذلك لن يحدث إلا بتغيير العقلية "القديمة" التي تديره.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها