الإثنين 2015/06/29

آخر تحديث: 16:47 (بيروت)

حارة المشرقة: هنا وطن "البعث" وغوايات النساء

الإثنين 2015/06/29
حارة المشرقة: هنا وطن "البعث" وغوايات النساء
المحطات حذفت مشاهد تظهر سلاف فواخرجي في موضع الاغواء الجسدي
increase حجم الخط decrease

"حارة المشرقة"، ليست حارة بالمعنى التقليدي وليست منطقة من مناطق دمشق القديمة. هي المكان الافتراضي الذي اختلقه السيناريست أيمن الدقر والمخرج ناجي طعمي، واختاراه عنواناً لمسلسلهما الجديد الذي يعرض حالياً على عدة قنوات عربية، بعد عرضه الحصري على قناة "أبوظبي دراما" قبيل الموسم الرمضاني. وانفصلا به عن حدود الزمان والمكان بشكل غريب.

المسلسل إجتماعي معاصر، لكنه لا يحمل زمناً واضحاً، بابتعاده عن حيثيات المجتمع السوري مع العام الخامس للحرب الأهلية التي تعيشها البلاد، مقدماً مجموعة من القضايا النمطية الباردة التي تجمعها فكرة عصابة تهريب العقول السورية الشابة إلى البلاد الأجنبية لتفريغ البلاد من طاقاتها كنوع مبتكر من الحرب أو المؤامرة.

والى جانب العثرات الاخراجية التي تعتري العمل، وصوت الموسيقى الذي يتخطى صوت الممثلين ارتفاعاً، إلا أن المحطات العارضة للعمل زادت في تشويهه بحذفها المتعمّد وغير المبرر للقطات سلاف فواخرجي التي تظهرها فيها في موضع الإغواء الجسدي.

يركز العمل على مجموعة من الشخصيات المهمشة في المجتمع، معظمهم من الفاشلين والمستثقفين وأنصاف الموهوبين. فيما نشاهد في خلفية القصة كثيراً من الشباب الذين يتم تأمين سفر لائق لهم إلى العالم المتحضر. ويحاول العمل هنا برمزية ساذجة تصوير "إفراغ البلد من عقوله المفكرة"، بعرض الواقع البائس الذي يتسيده من لا يستحق في الداخل.

المسلسل يحاول تلقين مشاهده بمجموعة حكم صادرة من مقهى حارة المشرقة القديم، عبر رصد مطول ويومي لثرثرة مجموعة من المتقاعدين العجائز هناك، وتحديداً عبر الجدل اليومي لشخصيتي أبي محمود (أسعد فضة) وأبي لؤي (زهير رمضان) مع شبه الشاعر وشبه الرسام (محمد خير الجراح، بشار اسماعيل). المشكلة في الفكرة هي تركيزها على الثرثرة الخالية من أي معنى لحلقات طويلة بشكل محاضرات ومواعظ مبالغ فيها إلى حد الملل.

العمل يبدو بدائياً في فكرته وقصته وطريقة كتابته، ولا يناسب روح العصر الحالي، بعدما قدمت الدراما السورية في السنوات الأخيرة أعمالاً مختلفة وشديدة الحداثة كالدراما النفسية في "قلم حمرة" العام الماضي على سبيل المثال، حتى أنه لا ينجح في تقديم أي من التشويق الذي يعد به في البرومو الترويجي الخاص به.

يحاول العمل تلميع صورة "الوطن السوري" البعثي – الأمني. فضباط الأمن ساهرون على قضية تهريب العقول ويتناقشون بين بعضهم بشكل أقرب لنقاشات المثقفين في المقاهي النخبوية. ودائماً ما تتحفنا شخصية ما من هنا أو من هناك بحوار مكرر عن جمال الوطن ودفء الحب والعلاقات الإنسانية في الوطن مقابل الوحشية الغربية. ويلقى باللوم كله على العدو الخارجي المتربص بالدولة السورية، فيما عصابة المسلسل الإجرامية مرتبطة بأجندات استخباراتية خارجية.

جانب العصابات البوليسي في العمل، يبدو نسخة مشوهة من عالم المغامرين الخمسة، ظلال وشخصيات غامضة يشار اليها بتوريات ساذجة. طرود تبعث عبر الحدود بين دمشق الضحية وبيروت مركز الإجرام! وحوارات حول قيمة الوطن ونوعية الجريمة وتبريرها على لسان الشخصيات الشريرة نفسها (ليث المفتي، محمد قنوع).. ولا بد من وجود جانب المقاومة الفدائية المسلحة في العمل كمضاد "شريف" للإستخبارات الإسرائيلية، وإن كانت لم تتوضح طبيعتها بعد (شكران مرتجى)!

النقطة المشرقة الوحيدة في العمل هي أداء الفنانة سلاف فواخرجي لشخصية شهيرة، المرأة اللعوب التي تستخدم جسدها وجمالها للوصول إلى أهدافها. وهي عضوة ناشطة في العصابة لكنها ساذجة لا تدري أنه يتم التلاعب بها من قبل الزعماء الغامضين عن بعد. والجميل في شخصية شهيرة هو التعقيد النفسي وكمية الميلودراما التي يعج بها ماضي وحاضر الشخصية، وتبرع فواخرجي في تجسيدها على الشاشة دون تصنع على غير عادتها.

تتأرجح شهيرة بين طيبة قلبها وبين شهواتها المادية والجسدية. طيبتها تظهر في لحظات قليلة مع زوجها المريض المصاب بالفصام والقريب من الجنون (محمد حداقي) رغم كراهيتها الشديدة له وتفننها في شتمه، إضافة الى محاولتها إغواء كل جيرانها دون استثناء لسبب أو لآخر. فهي تغوي أبو عبدو (أيمن رضا) لنشاط متعلق بالعصابة، وتغوي جارها المراهق منير (معتصم النهار) طالب الطب المتشدد دينياً لأنها انجذبت إليه جسدياً.

هناك بعض الكوميديا في العمل والتي تأتي من أداء بعض الممثلين البارعين كأيمن رضا في مبالغاته التي تشكل إضافة للنص الجامد، وتبلغ ذروتها في شخصية المتشدد دينياً وعلاقته مع أصدقائه في الشقة. ومن الممتع مشاهدته يتلعثم بلغته الفصحى التي يصر عليها بينما تغويه شهيرة على الدرج مع قهقهة عالية، قبل أن يأكله الذنب لاحقاً جراء المعاصي التي يقترفها.

هذه الشخصية هي الوحيدة التي يُرجح أن يكون لها دور في الحلقات المقبلة، ويكتنفها الغموض حول مصيرها بين كافة شخصيات العمل النمطية.

يعيد العمل بعض الأسماء إلى ألقها القديم مثل الفنانة لينا حوارنة التي تحقق بعض التوازن أمام ثقل ظل بشار اسماعيل وانفعالاته المجانية في دور الرسام الشيوعي المعقد نفسياً. كما تعود الفنانة فيلدا سمور إلى الدراما بعد انقطاع منذ عام 2006 بصوتها المميز جداً، وإن كانت مساحة دورها صغيرة ومهمشة. كما يبرز بشكل تقليدي الفنانان عبد المنعم عمايري وميلاد يوسف كقيم ثابتة في الدراما السورية، وبدرجة أقل سلمى المصري وأنطوانيت نجيب، مع ضعف فاضح في التمثيل لدى الأسماء الجديدة التي يقدمها العمل.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها