السبت 2015/07/04

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

هؤلاء هم القتلة.. يا علي

السبت 2015/07/04
هؤلاء هم القتلة.. يا علي
الرصاصة قتلتنا جميعاً معك. وقتلت مختار ويزاني وعياد فارس وغيرهم الكثير
increase حجم الخط decrease

(* إلى علي مزهر الذي قُتل برصاصة طائشة إثر اشكال مسلح في بلدة البابلية – جنوب لبنان)

مشينا اليوم في وداعك حزانى وغاضبين.. بعضنا يشتم قاتلك، وبعضنا يبرّر غضبه. بعضنا يدّعي مظلومية مطلق النار، وبعضنا لا يجد تبريراً لاستخدام السلاح.. لكن الجميع يا علي، يحتكم الى السلاح الذي قتلك وقتلنا، ويواصل قتلنا، الواحد تلو الآخر. فقط لأننا لا نثق بدولة خذلتنا مرة تلو الأخرى.. وشرّعت لنا قتل بعضنا البعض بتقاعسها، قبل أن تحضر أجهزتها لرفع آثار الجريمة، وفتح محاضر التحقيق.

مشكلتنا يا علي، معقدة. نحن قوم قبليون. القتل يسري في دمنا، ونجمّل إجرامنا بذرائع واهية. مرة نقول اننا نقتل لنحمي أنفسنا. ومرة نزعم استباق موتنا بقتل الآخر.. ومرة بذريعة الغضب، والاستفزاز، و"ساعة شيطان"... ومرات كثيرة، نقتل لإخفاء عيوبنا، وعجزنا عن الإصلاح. عجزنا عن الاحتكام للعقل والمنطق، وتلاشي العقلاء بيننا الذين يواسوننا، بينما يكونون قد غابوا عن مسرح الاشكال، لأعذار شخصية.

نحن نقتل يا علي، لأننا ضعفاء. نتوهم قوة "أطلس حامل العالم"، بينما نغرق في سباب بعضنا. قوتنا التي ندّعيها، هي قوة شيطانية. فالقوة الحقيقة تلك التي تقترن بالايمان.. أو قُل، بالعقل والمنطق والصبر والمحاججة. فائض القوة أكبر من أن نستوعبه كضعفاء، ومحرومون من حقنا بالحماية. تفيض قوتنا في الشارع. نتقاتل، ونَقتل، ونُقتل. لا مكان لنا غير الشارع. فنحن، محرومون من كل شيء. لا مبادرة لسحبنا من امام نراجيلنا في الشارع. شبابنا ممنوعون من سلك الدولة. ومن حمايتها. فراغنا بدأ يقتلنا، للمرة الأولى، منذ الخمسينيات.

كان صوت العقلاء بيننا أقوى من اي صوت آخر. كنا نفاخر، يا علي، بأن الحرب اللبنانية التي تنقلت بالفتن بين القرى، بقيت بمنأى عن بلدتنا. تلاشى صوت العقل، اليوم. إندثر. أُقِرّ لك بأننا عاجزون عن قول كلمة حق، وردع الظالم عن طغيانه. تلك الكلمة باتت محكومة لقوانين القبيلة والعائلة والحزب والحي والمنطقة. وهي ظاهرة، لا تقتصر على بلدتنا يا علي. فهي قائمة في سائر القرى اللبنانية. تزداد بمفاخرة "زعران" منا بامتلاكهم أرقام ضباط وسياسيين ونافذين، وربما قضاة، في ذاكرة هواتفهم النقال. سيستخدمونها حين يعتدون، ويرهبون الآمنين.. ويجاهرون بالاستزلام لزعران يحمونهم.. من كل الأطياف.

أعلم يا علي أن هذا الكلام سيدينني، ويثير الضغينة ضدي. لكني لا أبالي. سمعت في صغري عبارة: "لن يترك لي الحق صاحب". وهو كلام الحق. الرصاصة التي استقرت في عنقك، قتلتنا جميعاً معك. قتلت مختار ويزاني في شقرا، أول من أمس، وعياد فارس أمس... وستقتل أكثر، طالما أننا في نظر الدولة، على هامش المكان.

لك يا علي طول البقاء، ولنا من بعدك طول الندم. وداعاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها