الأربعاء 2014/08/20

آخر تحديث: 23:43 (بيروت)

غوطة دمشق.. الكيماوي الذي لا ينسى

الأربعاء 2014/08/20
غوطة دمشق.. الكيماوي الذي لا ينسى
في 21 آب وجد المسعفون أفواجاً من الناس، في وضعياتهم الأخيرة المتخشبة. إنه تأثير غاز السارين
increase حجم الخط decrease

تجاوزت الساعة الثانية عشرة ليلاً والكهرباء مستمرة في غيابها الطويل، حيث اعتاد الناس في الغوطة الشرقية النوم قبل ذلك الوقت بكثير. في تلك الليلة عائلات كثيرة ظلت نائمة إلى الأبد. وعائلات كانت تتحلق حول موائد الطعام البسيط، وبقيت كذلك إلى الأبد. أب يحضن ابنه على صدره وظلا في عناق أبدي. في تلك الليلة كان القصف قوياً، فتجمع الأهالي في الطوابق الأرضية. لكن الغاز السافل لا يستقر إلا في تلك المناطق المنخفضة. حين أتى المسعفون وجدوا أفواجاً من الناس، في وضعياتهم الأخيرة المتخشبة. إنه تأثير غاز السارين، المركب الكيماوي القاتل في ليلة 21 آب/أغسطس 2013. حينها قصف النظام زملكا وعين ترما، حي النيزارية وعربين وجوبر. قتل ليلتها أكثر من 1200 شخص، أغلبهم  من المدنيين.

المناطق التي قصفت هي مواقع مدنية، وليست قريبة حتى من خطوط التماس والجبهات. لا يحتمل ذلك الخطأ في التصويب. فقتل المدنيين كان مقصوداً، ليتم تدمير الحاضنة الاجتماعية للثورة، ومناطق التمرد.

بعد ليلة المجزرة، بقي المسعفون والأهالي يعثرون على المزيد من الجثث، لشهور . ويحكى أن عائلات بأكملها أبيدت عن بكرة أبيها. والمبالغ التي وفرها حينذاك "الائتلاف الوطني" للعائلات المتضررة، لم يتم صرفها، لعدم وجود أقارب أحياء للضحايا.

هجر الأهالي منازلهم بعد ذلك، ولم تعد سوى أعداد صغيرة فقط. أغلب الضحايا كانوا من النساء والأطفال. ولم تنجُ الحوامل من الموت؛ فهن لا يستطعن الهرب، ومعظمهن كنّ نائمات وبقوا كذلك إلى الأبد. يقول أحد المسعفين "وجدنا أعداداً كبيرة من طيور الحمام (الستيتيات) نافقة أيضاً، حيث لا يطير الحمام ليلاً".

بعد الكيماوي، وقف أهالي الغوطة مع فصائل المعارضة المسلحة، وطالبوا، على الرغم من تحفظاتهم الكثيرة، بالتسليح. لا بل ذهب بعضهم إلى المطالبة بقصف دمشق، كي يشعر أهلها بما أصابهم وينتفضون. كان شعور الانتقام طاغياً، ولكن الفصائل لم تفعل شيئاً. ويعلق أحد الناشطين بأن "الفصائل الإسلامية تعمل بأوامر خارجية، ولا يعنيها أبداً مشاعر الناس، ولا يعنيها الناس من أصله، وبالتالي لم يفعلوا شيئاً".

حينها قالت مستشارة الرئيس بثينة شعبان، إن من قُتل من النساء والأطفال هم من بين 300 "علوي" من قرى ريف اللاذقية، الذي اختطفوا، بعد عملية واسعة النطاق للجيش الحر. ولكن النظام لم يبادلهم، وبقوا أحياء ولم يقتلوا، وهو الأمر الذي عرف لاحقاً.

بذل المسعفون حينها جهوداً استثنائية لإخلاء المنطقة ومساعدة الناس، واستشهد عدد منهم، ومن الأطباء أيضاً، ويذكر أن عدداً كبيراً من مقاتلي "كتيبة مجاهدي الشام"، وقائدها أبو جعفر، قتلوا لأنهم لم يأخذوا أي احتياطات، لتفادي خطر التسمم والموت. يقول أحد الناشطين إن الكثير من الفعاليات تحركت حينها لإثبات أن الغوطة ضُربت بالكيماوي، من قبل النظام، الذي خاض بدوره معركة إعلامية إنكارية، متهماً قوى المعارضة، بقصف نفسها بالكيماوي، لاستدعاء التدخل العسكري. وهناك من اعتقل أو قتل، وهو يحاول إيصال عينات من مواقع القصف إلى خارج سوريا. ولكن الفريق الدولي الذي دخل إلى الغوطة حينها، وأخذ عينات من الصواريخ ومن أجساد الناس، أثبت أن ضربة الكيماوي لا يمكن أن تكون إلا من جهة النظام، وتتطلب معدات وإمكانيات تقنية عالية لا تتوفر إلا له.

انتظر الناس وقتها الصواريخ الأميركية لدك مواقع النظام، حيث ساد اعتقاد شعبي بأن ذلك قادم لا محالة. وهدأت العمليات العسكرية حينها، بدل أن تشتد، وخاصة بعد ارتباك النظام وأخلائه مواقع عسكرية مهمة له. وشعر أهالي الغوطة بالخذلان الكبير حين تقدم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بمبادرة تسليم الكيماوي.

بعد سنة لم تجر محاسبة المتورطين في استخدام الكيماوي، ولا انشئت محاكمات دولية. ولا يزال النظام الذي مثل سوريا في الهيئات الدولية، مستمراً بقصف المدن والقرى، ولم يتورع بعدها عن استخدام الكيماوي مراراً.

increase حجم الخط decrease