الأحد 2017/10/15

آخر تحديث: 12:16 (بيروت)

أوضاع المقالة

الأحد 2017/10/15
أوضاع المقالة
increase حجم الخط decrease
 كل مرة، أهم فيها إلى تدبيج مقالة من المقالات، أتنبه إلى وضعها المختلف عن أوضاع غيرها. 
فهناك المقالة، التي تبقى، وبعد الوقوع على موضوعها، بلا أدنى فكرة عنه. وغالباً ما يجري تأجيل الشروع فيها كسبيل إلى تكوين تلك الفكرة. إلا أن هذا الأمر لا يتحقق، بحيث أن فكرتها عن موضوعها لا تتكشف سوى خلال كتابتها فقط، وقد لا تتكشف أيضاً. 
وهناك المقالة، التي، ومن جراء التمكن، المتخيل أو الفعلي، من موضوعها وفكرتها عنه، لا تجد طريقها إلى الكتابة، إذ تبدو منجزة مسبقاً، ولا داعي إلى تسجيلها البتة. 
وهناك المقالة، التي كانت تريد أن تتناول موضوعاً محدداً، لكنها، انحرفت عنه، بسبب حدوث موضوع ثان، ومع ذلك، لم تنساه، فتتطرق إليه مواربةً، ومن دون أن تدري أو تقصد، طارحةً إياه في أثناء طرحها لغيره.
وثمة مقالة، من المتاح إختصارها بجملة واحدة، لكنها، ومع ذلك، تطول وتدور على نفسها إلى أن تخرج عن موضوعها. وثمة مقالة، أفضل شيء فيها هو بدايتها أو نهايتها، أما، المكتوب بينهما، فلا بأس به. 
وثمة مقالة، وبعد قراءتها، تحيل، بإيقاعها، إلى كونها شبيهة بالقصيدة الموزونة. 
وثمة مقالة مُتْعِبة بسبب تفرعها وتشعبها، وصعوبة تشكيلها، فتجيء كمسودة لأخرى. 
وثمة مقالة تذكر موضوعها لكي تقفز عنه، وتزيله، ولا تعرف إلى أين تتوجه من بعد ذلك، فيهمها تفصيلاً فيه، أما، الباقي منه، فلا تبالي به. 
وثمة مقالة جدية للغاية، ولكن، الإطلاع عليها بعد وقت، يبينها مضحكة. وثمة مقالة، لا حاجة إلى كتابتها، لكن، اللا-حاجة إليها تتحول إلى ظرف للتمرين فيها على تركيب أو مقاربة. 
وثمة مقالة، تستلزم كتابتها وقتاً طويلاً مع أن موضوعها سهل المنال. 
وثمة مقالة، كتابتها مباشرة، مفاجئة،  ملقاة دفعة واحدة، ولا وقفات بين سطورها. 
وثمة مقالة تفلت فيها جمل لا استكمال لها. وثمة مقالة مسلية، كتابتها نزهة. وثمة مقالة مزدحمة وضاجة. وثمة مقالة غريبة بعد لحظات من الإنتهاء منها. وثمة مقالة لا تريد أن تقول شيئاً، وتتقبل ذلك بكل راحة. 
وثمة مقالة لزجة، لا يمكن إختتامها بيسر. وثمة مقالة، ومع كتابتها وإختتامها، تبدو أنها ليست المقصودة، فتشير إلى وجود مقالة غائبة، لا يمكن كتابتها بتاتاً.
إلا أن أوضاع المقالة قد لا تتعلق بشؤون كتابتها، بل بمواقف سابقة عليها. فإذا كانت مكتوبة في أثناء التعرض لداء صحي، من قبيل الزكام مثلاً، تأتي مرصوصة. وإذا كانت مصحوبة بالتشنج، تظهر متماسكة لدرجة الإختناق. أما، إذا كانت مسنودة بالضجر، فتتقطع جملها، ولا تترابط سوى على أساس توليد بعضها من بعض. هذا، وقد تتضمن المقالة كلمات تُكتب من تلقائها، وليس من تلقاء كاتبها، أي بطريقة شبه آلية ودقيقة، لا سيما حين يشوبها الإستعجال. مثلما أنها، وعندما تكون مشحونة بالحماسة، تتمدد إلى غيرها.
مقالة الفجر تبدأ بطيئة ثم تتسارع. مقالة الظهر وتيرتها واحدة. مقالة بعد الظهر خفيفة. ومقالة الليل تظن، في لحظة ما، أنها وصلت إلى الخاتمة، لكنها، لا تتراجع عن الإطناب. 
المقالة المكتوبة عند الإستيقاظ تشبه السحابة الثقيلة، والمكتوبة قبل النوم، تتسم بتركها طنيناً في الرأس، والمكتوبة أثناء تناول الطعام والشراب، تنحو إلى الإنشاء. المقالة المكتوبة قبل الحديث عن موضوعها الى احد ما، تفقد شيئاً من شدتها. 
مقالة المنزل غير مقالة المقهى أو أي مكان آخر، الأولى مرنة أكثر من الثانية. مقالة غرفة الجلوس "تكلمية" أكثر من مقالة القعود على كرسي المكتب ووراء اللابتوب. 
مقالة المركبات، من سيارة أو باص، كتابتها قريبة من تسجيل الملاحظات، والتسلسل في ذكرها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها