الإثنين 2016/12/26

آخر تحديث: 18:26 (بيروت)

ماذا يقول الموتى السوريون؟

الإثنين 2016/12/26
ماذا يقول الموتى السوريون؟
أَبَدُكُم لم يقتلنا بسبب حبنا للموت (رويترز)
increase حجم الخط decrease
أنتم لستم أحياء.
على عكس اعتقادكم، أنتم أعداد من الأموات، لكنكم، تنكرون الموت، الذي يسكنكم، وتتنكرون له بتمثيلكم أنكم أحياء.

تمثلون الحياة، تنوبون عنها، وبذلك، تعتقلونها، وتنكلون بها، حتى تغدو معدومة من وجودها. تمثيلكم لهذه الحياة هو تمثيل بها.

حين يقتلنا، يقتلعنا، ويعدمنا نظام أبدكم الديكتاتوري والديموقراطي، الممانع واللاممانع، تنظرون إلينا، عفواً، نقصد، تتفرجون على صورنا، كأننا غير موجودين سوى فيها، وتمضون في تمثيل الحياة أمامها.

جثثنا تبرز مقابل عيونكم، وبعد خمس سنوات، ما زلتم على طريقتكم ذاتها: تطلبون من الجثث إعلامكم، لا بإعدام أصحابها، بل بأنكم لستم معدومين.

يا أسفنا على تعاستكم، ها نحن نخبركم بأنكم معدومون وعدميون، بأنكم أموات، وتنكرون موتكم. أنتم لا تطيلون النظر في صورنا، وبعضكم، ومن طفح موته، لا ينظر، في الأساس، إلينا. لا تطيلون النظر، لا تحملقون، ولا تحدقون، وطبعاً، لا ترون. ما تبغونه منا هو شيء واحد فقط، وهو، فعلياً، تستجدونه من قاتلنا: أن نداوم على قتلنا لكي تتمسكوا بتمثيلكم أنكم أحياء. كأنكم، وكلما تنقلتم من صورة الى صورة، ومن خبر الى خبر، تنطقون بـ"هكذا، يكون الأموات، اذاً، نحن لسنا مثلهم!".

على عجلة، تفعلون ذلك، تبثون، تنقلون، تتذنبون، تدينون، تتظاهرون، بـ"سرعة" باطلة، بـ"سرعة" جمودكم في قبوركم، التي تظنون أن تقاربها هو بمثابة عالم حيّ. أنتم لستم بطيئين، ولا سريعين، أنتم جامدون ومتجمدون، والدليل أنه، وبعد كل المجازر، التي ارتكبها نظامكم الأبدو-ديكتاتوري، وانتظرها نظامكم الأبدو-ديموقراطي منه، ما زلتم في مكانكم اياه، أي داخل هذين النظامين، وفي نظامهما.

نحن لسنا مثلكم، نحن الآخرون، ونحن، في الأساس، ولو كنا على حالكم الشقية والبائسة، اي اموات تتنكر لموتها عبر التمثيل بالحياة، لما كان الأبد حاصرنا، وهجرنا، ودمّر قرانا، وأزال مدننا، وأعدمنا. لو كنا مثلكم، لما شكلنا خطراً عليه، لما جرى طردنا من "جنتكم"، او قوننتم استقبالنا فيها بالاستناد الى ترويضنا وتصنيعنا كما ترغبون. لو كنا مثلكم، لما جرى إقصاؤنا، وَيَا لفرحنا، الى ارضنا!

لأننا أحياء، أقدم أبَدُكُم على قتلنا، ولأننا، وحتى بعد موتنا، أحياء، أنتم، وبدراية منكم، او من دونها، ولا فرق، تستكملون اقتراف المجزرة بحقنا. إلا أنكم، هذه المرة، وكما في كل مرة، لا تقدرون علينا، بل إن أقصى ما في استطاعتكم فعله هو إعلان عجزكم، لا عن إنقاذنا، وأنتم لا يمكنكم ذلك، إنما تشهرون عجزكم عن التخلص الكلّي منا، عن إفنائنا بضربة واحدة وأخيرة. ترددون "نحن عاجزون، نحن عاجزون"، لكي تقولوا لأبَدِكُم: "نحن عاجزون عن مشاهدة قتلك لهم"، وتطلبون منه ان يقتلنا بعيداً من عيونكم، وهو لا يفعل، لأنه يريد الاستيلاء اكثر عليكم، وأنتم خير محكومين به!

أبَدُكُم يرتكب المجازر بحقنا، وأنتم تستكملون اقترافها، وفي ظنكم أنكم ترتبون جنازاتنا. لكن، وبسبب إنكم أموات متنكرون لموتهم، لا تستطيعون دفننا، ولا عقد مآتمنا، بل إنكم تستحضروننا باستمرار لكي تحسبوا أنكم في قبوركم تنعمون.

لقد بنينا عوالمنا تحت الحصار، وتحت الصواريخ، وتحت البراميل، وبين الرصاص، بنيناها، فدمّرها أبَدُكُم، فبنيناها من جديد، وصمدنا، فأطاح بها وبنا. وأنتم، وفي كل مرة، ترفعون الصلاة الى نظامكم الأبَدو-ديموقراطي، تطلبون منه الرحمة:"يا ربنا، إرأف بهم"، لكنكم لا تعلمون اننا لسنا في حاجة إليكم، ولا إليه. ذلك، اننا، وبعد كل إعدامنا، أدركنا انه لن يسمح بعوالم غير عالمه، لن يسمح بكسر احتكاره للعالم. فهو لا يسمح لكم، أنتم أبناء هذا النظام، بأن تعيشوا فيه بلا عدميتكم، فكيف يسمح لنا ان نبقي على حيواتنا، وكيف نتوقع منه سوى النفي او الاستدخال النافي لنا؟!

تذكروا، أنتم أبناء هذا النظام، دوركم ان تثبتوا له بأنكم تزدادون أهولاً به، أكان عبر الدفاع عنه، لأنه ضعيف، او عبر معارضته بـ"انت غير انساني، نحن عاجزون". تذكروا، أنتم لا تعلنون العجز سوى لكي لا تفعلوا شيئاً، ليس حيالنا، بل حيال عدميتكم ومعدوميتكم. نريد ان نخبركم بأنكم فعلاً في عجز عن مواجهة انفسكم بحقيقة اننا لا نموت من اجلكم، ولا من أجل أحد، وأن أبَدَكُم لم يقتلنا بسبب حبنا للموت، الذي تبرعون فيه، بل لأننا الخطر الذي يحدق بنظامكم، نظام القتل والقلق، ويحدق في تمثيلكم بالحياة، في تمثيلكم المعتقِل لها. 

واجهوا موتكم، توقفوا عن نكرانه، لكي تبدأوا بفهمنا. نحن نتفهمكم، نتفهم انكم "لا تتحملون القول لكم: تمثيلكم المميت للحياة ليس هو الحياة، وزمنه ليس زمنكم"، وأرجوكم أقلعوا عن تفجعكم، الذي تمارسونه حيالنا لكي تعلنوا لنظام الأبد بأنكم ستبقون فيه. لسنا ملهاتكم، نحن الموتى السوريين، رأيناكم، و"علمنا كل شيء". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها