الأحد 2017/04/02

آخر تحديث: 12:13 (بيروت)

الضرائب والكباب

الأحد 2017/04/02
الضرائب والكباب
increase حجم الخط decrease

طوال فيلم "الاٍرهاب والكباب"، يتعاطف المشاهد مع عادل إمام، المواطن المسحوق الذي وجد نفسه فجأة في لحظة تمرد كبير، لا إرادي، على السلطة. مَشاهد الفيلم كلها تبرر وتفسر، بسلاسة، النتيجة المنطقية التي أدت الى تمرد كل مَن في "مجمع التحرير"، بشكل عفوي ومن دون أي سياق ثوري تمهيدي، على السلطة القائمة. من ابن الطبقة الوسطى في المدينة (عادل إمام)، إلى الصعيدي التقليدي (أحمد راتب)، والمرأة التقليدية (إنعام سالوسة)، ونقيضتها فتاة الليل (يسرا)، والمصري الأصيل، والمفتون بالمثال الغربي (صاحب لازمة "في أوروبا والدول المتقدمة")، وغيرهم. نماذج لا رابط حقيقياً بينهم: لا مناطقي ولا سياسي ولا اجتماعي. لا يجمع بينهم سوى شيء واحد: رغبة محقة (بحسب سياق الفيلم) في الانتقام من السلطة التي تذلهم يومياً عند أول فرصة.

وفجأة تأتي الفرصة المنشودة: وزير الداخلية شخصياً يناشدهم أن يفصحوا عن مطالبهم. هنا تحديداً، يظهر الـmaster scene في الفيلم: عادل إمام، قائد التمرد، يرتبك تماماً: "مطالبي؟ مطالبي؟ أنا ما عنديش مطالب"... ففي هذه اللحظة تحديداً، كان المطلوب من مواطن عادي، لم يشأ أصلاً خوض الغمار السياسي، ولا باع لع في المعارضة، بل ولا يفقه شيئاً في الأدبيات السياسية والمعارضة، كان المطلوب منه أن يدلي ببرنامج مفصل، يكشف مكامن خلل الدولة وفسادها، وهذا أكبر بكثير من دوره والمطلوب منه أصلاً. كل ما يعرفه ذلك المواطن أنه متعب، منهك، مسحوق. وهو يعي تماماً أن تعبه ناتج عن تلك السلطة الفاسدة القامعة التي تخاطبه. لكنه لا يملك أدوات مخاطبتها. ففشل تمرده، بطبيعة الحال، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه.

تشبه أحداث الفيلم، إلى حد بعيد، المواجهة الأخيرة بين "الحراك المدني" ورئيس الحكومة اللبنانية، في ساحة رياض الصلح. فتماماً كعادل إمام في الفيلم، تم تحميل المتظاهرين في الشارع والحراك، أكثر من قدرتهم على المناورة. ففشل الحراك، حتى الساعة، في تحقيق خرق جدّي للسلطة، لا يعود إلى عدم أحقية ما يطالب به، و إنما لأنه عبارة عن مجموعة شبان، يفرقهم في السياسة كل ما يفرّق يسرا وإنعام سالوسة في الفيلم. مطلوب منهم أن ينوبوا بتحركهم عن الغياب الصارخ لأحزاب المعارضة والنقابات والإعلام والمنظمات الطلابية. هناك غياب تام لأي منظومة معارضة، ولأي بنية تحتية تؤسس لحركة اعتراضية جدية، في دولة كل أحزابها مجتمعة في السلطة، وتالياً كل نقاباتها وغيرها من أوجه الدولة.

أدرك رئيس الحكومة، سعد الحريري (أو مَن نصحه بالنزول لمواجهة المتظاهرين)، هذا الواقع. يدرك أنه سيواجه متظاهرين فاض بهم الظلم و الفساد، لكنهم لا يملكون أي برنامج حقيقي، وأن منظومة الحكم القوية المتماسكة والمتجذرة سياسياً واجتماعيا وطائفياً، ستطيح بسهولة تامة "لامنظومة" الشارع عند أول مواجهة. وهكذا كان. ارتبك الشارع: يريد مَطالب؟ لكننا غير منظمين كفاية لنعرف مَن يقرر المطالب. مَن يتحدث باسمنا؟ بأي مطلب نبدأ؟ ينتهي المشهد هنا. يعود المتظاهرون محبطين، فيما يظهر الحريري بصورة بطل السلطة الذي واجه الشعب بكل تواضع ...بطل الاٍرهاب والكباب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها