الثلاثاء 2018/01/02

آخر تحديث: 18:38 (بيروت)

عن "بهجة" وسط بيروت

الثلاثاء 2018/01/02
عن "بهجة" وسط بيروت
"قلب بيروت".. عاد ينبض بالحياة؟ (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لا مؤشرات على حياة وسط بيروت، قبل ليلة السنة، سوى رجل أربعيني يُسقط حبات قليلة من القمح في يدي طفله، ليطعمها لحمام ساحة النجمة. آثار الاقدام المعدنية المثبتة على الاسفلت من حاجز القوى الامنية على مدخل شارع المعرض باتجاه ساحة النجمة، تلاشى معظمها مع مرور السنوات. السكون يعمّ المكان. كاد أن يحيلها الى ساحة مهجورة، لولا أحاديث جانبية بين عناصر أمنية تتبادل أطراف الحديث، تحدياً للملل. 
كل ما في وسط بيروت، قبل ليلة رأس السنة، يوحي بموته. الوسط التجاري الذي أثار اعجاب العرب مطلع الألفية، بات مؤشراً على انعدام الحياة. لا نبض بشرياً فيه، ولا أحلام. حتى لقاءات العشاق في زوايا الوسط، تحللت. فالعشق يجانب الخراب. ولو أنه يحيا على ضفاف حياة، ويستره الضجيج. 

تبدل المشهد ليلة رأس السنة. "قلب بيروت" عاد لينبض بالحياة، كما قال رئيس الحكومة سعد الحريري. احتشد الآلاف ليشهدوا عرضاً يتوقعون أن يقارب احتفالات المدن الكبرى بالعام الجديد. عروض تضاهي الألعاب النارية في برلين، وسيدني، وباريس، ولندن... احتمى الآلاف بمظلاتهم من المطر، طمعاً بالمشاركة في "إعادة النبض". ذلك الذي ضعف منذ تلاشت الآمال، وتبددت الاحلام، حين اصطدمت باعتبارات أمنية أدت الى اقفاله. 

تواجه صورة الاحتفالات رأس السنة، كل الصور القابعة في الذهن عن موت الوسط. الآلاف الذين ينشدون السلام، كانوا هجروا المنطقة، يوم أعلن موتها. لا صورة تراود الذاكرة عن عودة الحياة، إلا صورة احتجاجات تحدى فيها المتظاهرون الاجهزة الامنية على خلفية أزمة النفايات. ولا مشهد ينبعث عن صورة الحياة فيه، إلا خيم عائلات الأسرى المخطوفين لدى تنظيمات ارهابية. في الواقع، كانت تلك المشاهد الوحيدة التي تثبت نبض المنطقة وحياتها. أما الالعاب النارية، فهي افتعال للفرح. وافتعال مؤقت للبهجة التي لن تلبث أن تنحسر، بعد افول عروض الضوء.

لا يتحمل الساهرون مسؤولية إقفال الوسط التجاري، وإعلان موته في السابق. ولا رواد المنطقة الآفلة، ولا الاجراءات الامنية. ثمة ظروف موضوعية أبلغ من حجم الآمال، وأعمق من مساعي اطلاق عجلة الحياة فيه. فعلى مسافة أمتار من الوسط، تحتضن "أسواق بيروت" الساهرين والمتسوقين. كما أن عشرات امتار أخرى، تفصلها عن "زيتونة باي". التنافس بين الموقعين على استقطاب رواد المدينة، أبعد وسط بيروت عن المنافسة. خلق بديلاً، من الصعب أن يعيد الوسط الى ما كان عليه قبل سنوات. 

في بيروت، تتنافس الساحات. ساحة للبهجة، وأخرى للتسوق، وأخرى تناضل لاستعادة نبضها. لكن الأخيرة ارتطمت بمآسي شعبها، ومطالبهم. استحالت ساحة تحكمها السياسة، مرة باقفالها، ومرة بإعادة اطلاقها، ومرة أخرى بأحلام ثورية. أما عشاق الساحة، والعاشقون فيها، فلن يجدوا ظلاً لغرامهم، طالما أنها ساحة مواجهة بين الشعب وحاكميه.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها