الإثنين 2017/09/18

آخر تحديث: 12:49 (بيروت)

عن التحذير الكنسي من اليوغا

الإثنين 2017/09/18
عن التحذير الكنسي من اليوغا
لماذا تختار كثرةٌ اليوغا بدلاً من طقس ديني؟
increase حجم الخط decrease
من حين إلى آخر، يصدر المركز الكاثوليكي للإعلام بياناً ضد اليوغا، محذراً من مخاطرها، وآمراً بالإقلاع عن ممارستها. لوهلة، يبدو التحذير والأمر كاريكاتوريين، بحيث أن صاحبهما، ومثلما هو معلوم، لا يمكنه أن يمنع اليوغا فعلياً، ولا يمكنه أن يُسنِد هذا المنع بأي قانون، حتى لو وجد في اليوغا "شعوذة" و"سحراً"، بل إن أقصى ما يستطيعه، وعبر إعلاناته، أن يتجنب الكلام عن الإنجذاب إليها. 

لماذا تختار كثرةٌ اليوغا بدلاً من طقس ديني؟ وقد تكون الإجابة الأسرع على لسان الكثرة هي لأن الرب ليس موجوداً، بالتالي، عبادته لا نفع منها. لكن المضي إلى اليوغا يؤكد أن عدم وجود هذا الرب، أو"موته" بحسب عبارة نيتشه الشهيرة، وذلك بعد طول "تألمه" على قول الأب فرنسوا فاريون اليسوعي، لم ينتج التحرر. بل على العكس تماماً. إذ انعدم رمز الرموز، ثم انهارت الرموز، ومعها المثل والقيم، وما عاد بمقدور أحد الإيمان بالكرامة، بالثقة، باللطافة مثلاً، لأن إيمانه على العموم سيعرضه لنظرات الإستغباء والسخرية. 

تعرفون تلك الشخصية التي ظهرت في التلفزيون ضمن برنامج "حديث البلد"، والتي يؤديها ميشال أبو سليمان، أي الهازئ من كل مسموع: شخص يتكلم عن حادث عنيف تعرض له، فيطلق نكتة حوله. لقد غدا كل شيء مضحكاً، كل شيء مشككاً فيه، كل شيء موضوع ريبة، وكل شيء بلا معنى. وبذلك، ثمة عمودية سقطت، تَعالٍ تبدد. أهلاً وسهلاً بكم في عيشٍ منخفض، يجتاحه الإكتئاب والإستيهام!

في هذا المطاف، اليوغا تفتيش عن عمودية أخرى، روحية وجسدية، نَفَسية ووضعية. لكن، وحين يجري التحذير منها والنهي عنها، فذلك ينطوي على دعوة إلى الإكتفاء بالعيش المنخفض، حيث الجسد مغترب، جسماً لصورة أو لنقيضها، وحيث النَفَس متقطع، يتأرجح بين التوقف والحشرجة، أي شهيق الإحتضار. ولما يأخذ المركز الكاثوليكي مكافحة اليوغا على عاتقه، فهو يتصدى لكل بحث عن العمودية، ويحض على الإستسلام إلى ذلك النمط من العيش عبر نكران "موت الله": لماذا تفتشون عن عمودية أخرى ما دام عمادي الأساس موجوداً؟ المشكلة أن المركز، بنكرانه، وبإفراطه فيه، لا يحيي ذلك العماد، وأصلاً، عندما يبغي ذلك، ويخفق، لا يجد طريقة ً أكثر ملاءمة من القمع والحظر التعيسين، تماماً كما يصِف سامعي موسيقى الروك بـ"عبدة الشياطين"، عاملاً على قصاصهم. 

ما يريده ذلك المركز هو الإبقاء على العيش المنخفض جنباً إلى جنب مع نكران "موت الله"، وبالتالي، تعطيل أي رغبة في العمودية، وفي الوقت نفسه، تحويل طقوس التقرب إلى الله، الإيمان بالعماد، إلى مجرد أشكال خالية من الفحوى: عيشوا "إنخفاضياً"، وبالتوازي مع ذلك، صلّوا. فالمهم، بحسب المركز، هو عدم البوح بـ"موت الله"، ولو كانت آثار هذا الموت بائنة، وواضحة، ومتفاقمة. المهم هو الإفادة بكونه لم يمت، ولو كان العيش بذاته يفيد بالنقيض. ممنوع الإقرار بموت الله، وممنوع التفتيش لاحقاً على عمودية أخرى، المسموح الوحيد هو المجاورة بين نكران ذلك الموت والعيش انخفاضاً: قولوا أن الله لم يمت، وافعلوا ما شئتم، ولما تشير مشيئتكم إلى موته، أخفوا ذلك، ولا تتوقفوا عن الإنخفاض.

على هذا النحو، عندما يحذر المركز من اليوغا، من التفتيش عن العمودية، يدعو إلى الغرق في النكران، وبفعل هذا، لا يعود هناك سبيل إلى الحداد على العماد الميت، والذي قد يكون طريقاً إلى إحيائه، أي طريق إلى الحفاظ على معاني طقوس التقرب منه بدلاً من تحويلها إلى أشكال خالية من الفحوى. كما لا يعود هناك سبيل إلى التفتيش عن عمودية أخرى، من خلال اليوغا، وغيرها طبعاً. العيش انخفاضياً، هذا هو أمر المركز، والعيش بين الإكتئاب والإستيهام، هذا هي دعوته، وبعد ذلك، يأتي ليخبرنا عن "آفة المخدرات"! 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها