السبت 2016/10/15

آخر تحديث: 16:01 (بيروت)

اليمن.. عنصرية تنافس الحرب

السبت 2016/10/15
اليمن.. عنصرية تنافس الحرب
increase حجم الخط decrease
أيلول/سبتمبر شهر يعني الكثير لليمنيين. ففي سبتمبر 1962 قامت الجمهورية العربية اليمنية كردّ تحرري مضاد للإمامة الزيدية التي حكمت شمالي اليمن. ومن بعدها قامت جمهورية اليمن الديموقراطية، جنوبي اليمن، كردّ تحرري أيضاً وإنما ضد الإستعمار. الفارق بين الجمهوريتين هو قرابة المضطهِد من المضطهَد. ففي الجنوب كان المضطهِد مستعمراً أجنبياً وكان السعي نحو التحرر منه من البديهيات، أما في الشمال فكان المضطهِد يمنياً يشبه بقية اليمنيين فكان سبتمبر بداية خلق لوعي مجتمعي جديد الهدف منه الوصول إلى مجتمع متساوٍ، يساوي بين جميع ابناءه.

بالطبع كان ولا يزال الطريق نحو هذا الحلم صعباً، خصوصاً مع إستبدال الإمامة بجمهورية فاسدة تداولتها القبائل والعسكر في الشمال، وجمهورية شمولية تداولها هجين من الديماغوجيين اليساريين والعسكر في الجنوب. بوادر فشل هذا الحلم بانت منذ اكثر من عشرين عاماً خلال الحرب الأهليّة في اليمن الموحّد عام 1994، لكنّ اليمن لم يشهد فشلاً أكبر مما حدث في سبتمبر 2014.

هنا عاد سبتمبر بشكل مضاد، ليُعلن سقوط تلك الجمهوريات التي كان سبتمبر 1962 بدايتها. سقطت الجمهورية على يد مليشيا مناطقية طائفية عرقية في تجلًّ بديع لمشكلات اليمن مع العنف والسلاح والتميز المناطقي والعرقي والطائفي دفعةً واحدة.

اليوم وبعد عامين من بداية الفشل الذي أقل ما يقال عنه إنّه فاق كل التصورات التي كان يحملها اليمنيون لمآلات أزماتهم السياسية والإجتماعية المزمنة، نرى إحتفاءً غير مسبوق من قبل الأفراد -لا الدولة- بذكرى ولادة الجمهورية في الشمال في 26 سبتمبر 1962. وردد كثيرون بميكانيكية لاشعورية شعارات مناهضة للهاشمية، التي هي أهم شروط الإمامة، والهاشمية السياسية التي عادت للواجهة تحت راية الحوثيين الذين يتصرفون كأئمة، حتى وإن صرّحوا بتبنيهم لشكل الدولة الجمهوري. استندت تلك الشعارات على أفكار مناهضة للعنصرية التي يرى الكثيرون أن الحركة الحوثية الهاشمية السياسية تقوم عليها وعلى منهج إقصائي لأبناء اليمن ممن ليسوا شماليين وليسوا هاشميين.

هذا الوعي المناهض للعنصرية، رغم ظهوره المفاجئ في نوستالجيا حزينة لجمهورية فاشلة أسقطتها مليشيا الحوثي، يرى الكثيرون انها رغم فشلها لاتزال افضل من حكم المليشيا الطائفية، ويبقى مجزوءً لا وبل مشوّهاً لدرجة كبيرة. فهو يغضّ الطرف عن سنوات من العنصرية الكامنة داخل المجتمع اليمني بمختلف أطيافه رغم كونه مجتمعاً متعدد الأعراق والثقافات نظراً لتاريخه الطويل وموقعه الجغرافي. العنصرية التي تناغم معها اليمنيون حد عدم الوعي بوجودها.

اليوم وعندما أقلقت مليشيا الحوثي الطائفية راحة الجميع بما فيهم العنصريون انفسهم تم إستحضار كل مفردات مناهضة العنصرية وإنما بشكل حصري موجّه تجاه الحركة الحوثية في حين أنه يمكن توجيهها أيضاً تجاه اليمنيين غير الحوثيين وغير الهاشميين من مختلف الطبقات، الاعراق، والمناطق، ممن يجدون دوماً فرصاً للتميّز ضد الآخر سواءً بسبب لون البشرة الداكن، الأصل غير اليمني والافريقي بخاصة، الإنتماء المناطقي الجغرافي أو حتى الإنتماء الديني والطائفي.

يتصرف البعض في اليمن اليوم وكأن العنصرية صنيعة حوثية، في حين أنّ الحوثية هي أحد منتجات العنصرية اليمنية أو السكوت عنها. أتذكر أنّه خلال مؤتمر الحوار الوطني بعد الإنتفاضة التي أطاحت بعلي عبدالله صالح، على الأقل من كرسي الرئاسة، تم الإقرار بوجوب مناقشة وضع "المهمشين" في اليمن. و"المهمشون" في اليمن هم أفراد من ذوي البشرة السوداء الذين يعيش أغلبهم حرفياً على هامش المجتمع فلا يسكنون بين بقية اليمنيين وإنما في تجمعات لا تشبه الأحياء التي يعيش فيها بقية اليمنيين على إختلاف طبقاتهم ولا هم يحملون وثائق هوية تسمح بتمثيلهم داخل الإطار الرسمي وحتى وإن كان ليس سياسياً وإنما إحصائياً فقط.

ويمتهن "المهمشون" مهناً دنيا نتيجة للإقصاء المجتمعي والرسمي لهم. شعر المشاركون بالحوار الوطني بالفخر كونهم ناقشوا موضوعاً حساساً لم يناقش من قبل كوضع "المهمشين" في اليمن لكنَّ أحداً لم يقُم بمناقشة الهاشمية التي هي في جوهرها فكرة عنصرية تقوم على أفضلية من ينتسبون للنبي محمد. لم تتم مناقشة المناطقية حتى وإن كانت حاضرة بشكلها السياسي وتم تجاهل العنصرية والتمييز المرتبطين بها، كما لم تتم مناقشة العنصرية ضد اليمنيين ممن لهم أصول غير يمنية إفريقية وهندية وغيرها. ناهيك عن الحاجة المُلحّة للحديث عن التحيز الجنسي المتجذّر في الثقافة اليمنية لكن كل هذه المواضيع تبدو وكأنّها ترف عندما تمر البلاد بحربٍ أهليةٍ ضارية وحربٍ خارجيةٍ لم تُبقِ ولم تذر ومجاعة تقضي على جيل بأكمله من أطفال البلاد.

أما وإن وسعّنا الحديث عن العنصرية في اليمن تجاه غير اليمنيين فسنجد أمثلة تصدم الكثير من مدعيّ المساواة والمنتشين بفكرة مغلوطة بأن طيبة اليمنيين تعني انهم غير عنصريين. لدينا أمثلة لإستعباد العديد من المهاجرين الأفارقة، ممن استجاروا بشواطئ اليمن من العوز في بلدانهم، وإقتيادهم مغللين إلى الحدود السعودية لبيعهم او خطفهم وإبتزاز عائلاتهم لدفع الفدية وهم الهاربون من الفقر. هذه الأمثلة لا تجد طريقها لليمنيين الذين يتغنون بأنهم "أرّقُ أفئدة وأليّن قلوباً" ليتحرروا كذباً من تبعات عنصريتهم التي صارت القاعدة، لا الإستثناء.

مع انه من المثير للإهتمام فتح باب الحديث عن العنصرية في اليمن من خلال الحرب الحالية، وكأن هنالك جانباً مشرقاً للحرب، يبقى التخوّف أن تكون هذه البداية لحظيّة وان يتم طمرها بين ركام الحرب فور إنتهائها والتي لا يتوقع اغلبنا إنتهاءها إلا بمحاصصة بين الفرقاء. محاصصة قد توقف نزيف الدم لكن ليس بالضرورة ان تحل مشكلات اليمن المزمنة وأهمها العنصرية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها