الثلاثاء 2017/08/29

آخر تحديث: 16:10 (بيروت)

أشياء شارون ستون

الثلاثاء 2017/08/29
أشياء شارون ستون
increase حجم الخط decrease
فستان أبيض برقبة عالية؟ ما هو "العيب" الذي يمكن أن تفعله ممثلة ترتدي فستاناً أبيضاً برقبةٍ عاليةٍ؟ 

لم أكن استمع أنا وصديقاتي لحرفٍ من المعلمة التي تشرح ببسالة شيئاً ما على اللوح، كنّا غارقات في كومة الأسئلة حول ما قرأناه لتوّنا في مجلة عربية محدودة الانتشار وصلنا عددها ذلك بعد أربع سنوات على صدوره. يتحدث الخبر المطبوع على ورقٍ مصقولٍ عن مشهد غرفة التحقيق في فيلم "غريزة أساسية"، دون الكشف عن التفاصيل، وكيف أنّه فضائحياً و"مكسّر الدنيا" وتسبب في منع الفيلم في أكثر من بلد.

كان الخبرُ مصحوباً بصورةٍ لم يجز منها الرقيب سوى النصف العلويّ:  سيدة شقراء مُحدّقة فيما لا نعرف ما هو، وجهاً ذكياً ومغوياً لدرجة مهولة وكاشفاً للكثير، شعر خفيف معقوص إلى الخلف، وظل داكن فوق العينين الباهرتين، وفستان أبيض برقبة عالية، وقوة شخصية كاسحة وصلتنا كاملة دون نقصان، تشبه مادونا ولكنها أكثر أصالة، وتشبه ميشيل بفايفر ولكنّها أكثر تشتتاً. فيها من كل شقراوات تلك الفترة ولكنّها الأكثر سحراً بلا شك. شارون ستون التي لم تشبه أيّ امرأة من اللاتي نتابع أخبارهنّ ومشاهدهنّ و"فساتينهنّ".

كنّا نعيش في إحدى "مدن الملح"، وليس بإمكاننا في ذلك العمر الصغير أن نحصل على شيء لم يشتره الأكبر سناً. والأكبر سناً كانوا يُحرّمون الاهتمام بالسينما ويُسخّفونه أيضاً، ليس تديناً فقط بل لأنّ حب السينما  أمر معيب لا يليق بفتيات الأسر المهذبة. كان فعلاً سوقياً و"لوو كلاس" ومضيعة للوقت الأغلى من ألماس شتاينمِتز الورديّ، ولذلك كان مصير المجلات، مصدرنا الفنيّ الأوحد، القمامة أو الحرق (احتراماً للفظ الجلالة) أو كوسيلة لتنظيف الزجاج والكريستال قبل أن تُرمى في القمامة أيضاً، فضلاً على أننا لم نكن نحصل على الأعداد بشكل منتظم.

كنّا أيضاً مقتنعات بأنّ مشاهد الـ 18+ التي لا يصح أن يُشاهدها من هم في عمرنا، يجب أن تتم بفساتين مصنوعة من أقمشة لامعة وفاقعة وشفافة، حمراء أو ذهبية أو سوداء في خيارات أقل. ملابس تشبه ما ترتديه  المطربة الشابة آنذاك نجوى كرم: ضيقة وملتصقة وبفتحة صدر شاسعة استحقت تلك النكات البذيئة التي انتشرت وقتها، لكن فستان أبيض؟ وبرقبة عالية أيضاً؟ 
لم نكن، عكس ابناء جيلنا، نفكر بالرجال الذين نود أن يقعوا في غرامنا بل عن النساء اللاتي نريد أن نصبحهنّ: أفكارهنّ وملابسهنّ وعلاقاتهنّ بل ومشيتهنّ ومواعيد نومهنّ، وكانت شارون ستون هي ملكة ذلك الزمان وذلك المكان، وفستانها الأبيض هو الفستان/الحلم، إذ لا قيمة لفرسان العالم وأحصنتهم البيضاء إذا لم تكن من أجل شارون ستون أو امرأة مثلها، وكيف يُمكن للإنسان أن يُشبه شارون ستون؟ هذا هو السؤال الذي كنّا نصبح وننام عليه.

أما انتصاري الأهمّ هو أنّي أحببتُ منذ أن عرفتُ نفسي الملابس ذات الرقبة العالية، كانت تُمثل لي شيئاً خارقاً ونائياً، مزيجاً من النضوج الحميميّ والغموض والطابع الرجوليّ الذي يُضيف بذخاً جمالياً على مظهر النساء، كما كان الملمح الرجوليّ يضيف فتنة لا توصف على العارضة جيا كارينجي.

سخرت صديقاتي كثيراً من هذا الذوق الجدّي و"المحتشم" بلا داعٍ لفتاة في الصف الأول الإعدادي، وعابوا عليّ بأنّ روايات أغاثا كريستي قد أفسدت عقلي فأصبحت ذائقتي تشبه ذائقة المحققين والقتلة، بالإضافة إلى الحرّ الخانق لمدينتنا مما جعل من ذائقتي هذه انفصالاً "عبيطاً" عن الواقع.

تقول إلِين مِرُجْنِك مصممة فستان ستون أنّها أحبّت اختيار اللون الأبيض، لأنّ التوتر يكمن في تضاده مع الأسود، وأنّها تحب استخدام الأبيض دائماً بطرق غير متوقعة.

بلغ فستان شارون ستون الأبيض هذا العام  25 عاماً، حاول الكثير التمسّح به والسخرية منه وإعادة إنتاجه بأكثر من هيئة، فضلاً عن استحضار المشهد ككل، وتبلغ شارون ستون في مارس/آذار القادم 60 عاماً، عمراً مديداً قضت معظمه في خيالنا الذي استهلكته بكونها صاحبة الأشياء السحرية العصيّة على "النسخ واللصق" والغارقة في القوة والذكاء والجمال الجارح كمخلب صقر.

أنا أحبّ الملابس ذات الرقبة العالية، أنا أحبّ شارون ستون. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها