الخميس 2017/05/11

آخر تحديث: 12:18 (بيروت)

ما نسمحلك بهالكلام

الخميس 2017/05/11
ما نسمحلك بهالكلام
increase حجم الخط decrease
كنت أقضي أياماً طويلة من الصيف السوري اللاهب في بيت عمي ببلودان قرب دمشق حيث الطقس اللطيف البارد، وكان أهالي دمشق يهربون إلى بلودان وباقي المصايف كل يوم جمعة، فكانت بلودان تكتظ بالسيارات مساء الجمعة إضافة إلى المشاة، كانت السيارات تمشي ببطء شديد من شدة الزحام في تقليد متعارف عليه هناك، وكانت الموسيقا القادمة من السيارات تختلط ببعضها البعض في فضاء الشارع بانسجام غريب.


بيوت بلودان تؤجر باليوم، وبأسعار سياحية نارية تكوي المصطاف الهارب من جحيم الطقس في بلده، لذلك فإن معظم المصطافين الذين كانوا يستأجرون هم من السواح العرب الخليجيين الذين كانوا يأتون مع عائلاتهم إلى الزبداني وبلودان على مدار فصل الصيف، ولم يكن هؤلاء المصطافين من الأغنياء غنى فاحشاً، بل كانوا من طبقة الموظفين في الخليج في أغلب الأحيان، لكن فرق الرواتب وفرق العملة كانا يجعلان من الموظف الخليجي مليونيراً مقارنةً بالموظف السوري المعروف بالمنتوف، فالأغنياء من الخليجيين كانوا يقضون الصيف في لندن وماربيا وباريس يا غالي.

وكنت يا أبو شريك كلما شعرت بالشوب في الشام اتجهت إلى الكراج ووينك يا بلودان، وهيك وصلنا لهنيك وبعد السلام والكلام اكتشفت أن هناك ضيوفاً كويتيين، عائلة كويتية تسكن في الطابق الأول من البيت، الأب وهو صديق لعمي من اليساريين الكويتيين القدماء جاء ليقضي فترة النقاهة في بلودان بعد إجرائه لعملية جراحية في القلب، وزوجته المتعلمة المثقفة، وبناته الطالبات الجامعيات، إضافة إلى صبيين صغيرين يقومان بممارسة هواية اللعب منذ الصباح الماكر.

كانت الجلسات في حديقة المنزل مساء تجمع الجيران والضيوف، وكانت النقاشات تحتدم في كثير من الأحيان بسبب تواجد بعض الفهمانين من أمثالي اللي بياخدوا وضعية الضرس أو المعلاق وما بيمرّقوا كلمة هيك، وهيك صار، أجت سيرة صدام حسين وقام هالبنات الكويتيات قعدوا يمجدوا فيه، وباقي السهرانين ما حكوا شي، وكانت القصة مارقة لولا أني كترت غلبة واعترضت على تمجيدهن للطغاة، قام فتحوا علي يا أبو شريك بوابات الجحيم على الطريقة الكويتية، وعلى ما نسمحلك بهالكلام، وهاذا صدام بطل القادسية، وحارس البوابة الشرقية.

قام أنا جاوبتهن بأنو وين البطولة بجر العراق لحرب عبثية، ووين البطولة لما بيقتل شعبه، ووين البطولة لما بيشلف كيمياوي على الأطفال، قام بلشوا يعلوا صوتهن أكتر مشان يسكتوني، ووصلت اصواتنا لفوق لعند الكبار اللي كانوا سهرانين بالطابق الأول، وأجتنا التعليمات من فوق أنو ننهي هالنقاش، قام أنا حملت حالي ورحت على غرفتي حردان من القعدة كلها، بس قبل وأنا وماشي التفتت عليهن وقلتلهن: على فكرة بكرة الصبح رح تفيقوا ورح تلاقوا صدام محتل الكويت!

فقت الصبح وفتحت هالراديو لأتسمع على فيروز باعتباري مثقف، وبرمت الأبرة على إذاعة مونت كارلو وكانت طالعة الموسيقا تبع نشرة الأخبار، وما أسمعلك يا أبو شريك غير خبر أنو الدبابات العراقية صارت بالكويت، وحارس البوابة الشرقية حَدَّر للجنوب، ونطيت من أربعتي وأنا وعم أفرك عيوني، هل أنا في حلم أم في علم؟!

في علم يا أبو شريك، والحال تغير بعقل البنات الكويتيات، وبلشوا يسألوا أكتر عن تفاصيل وحركات الطغاة، وهنن مصدومات، ومو عرفانات شو بدهن يعملوا، لا عاد في مكان يرجعوا له، وما عم يعرفوا شو وضع أهاليهن بالكويت، مين عاش ومين مات، بس عم يسألوني معتقدات أنني أملك كل الأجوبة على أسئلتهن، وناطرات الكلمة مني على أحر من الجمر بعد ما كان النقاش معي امبارح تحت شعار: ما نسمحلك بهالكلام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب