الإثنين 2016/10/31

آخر تحديث: 16:26 (بيروت)

..كأني أرى سوريا المستقبلية

الإثنين 2016/10/31
..كأني أرى سوريا المستقبلية
خلال زيارة ميشال عون لسوريا العام 2008
increase حجم الخط decrease
كسوريّ يعيش في لبنان منذ سنوات، لستُ معنياً كثيراً بملء الفراغ الرئاسي أو انتخاب سياسي جديد في أي مستوى من مستويات السلطة المحلية. ففي النهاية أنا مجرد غريب، يراقب بشيء من الاستهجان، التغير المتسارع في المشهد المحيط بي، خصوصاً أن حياتي، كأي سوري آخر في البلاد، لن تصبح أسوأ مما هي عليه كنتيجة مباشرة لوصول العماد ميشال عون أو غيره إلى الرئاسة.

والحقيقة أني لا أبالي بالسياسة عموماً، وأميل لمقت السياسيين بوصفهم أسوأ أنواع البشر. لكن مشاهدة أجواء الانتخابات الرئاسية - العونية عبر الإعلام اللبنانية خلال اليومين الماضيين، أعادتني إلى سبب لامبالاتي السياسية، زالتي تبلغ درجة، أكرر معها، أنني حتى لو كنت مواطناً في دولة غربية ديموقراطية فإنني على الأغلب لن أمارس هناك "حقي" في أي تصويت، لأنني لا أؤمن أصلاً بأي فروقا بين سياسي وآخر في الجودة، الفرق يكمن في مستوى السوء فقط.

وُصف عون بالأب القائد، وقائد الوطن.. أعاد لي ذكريات مع السياسة البعثية في سوريا، في وقت تبدو فيه قناة "أو تي في" التابعة للتيار الوطني الحر وكأنها استعانت بمستشارين إعلاميين من التلفزيون الرسمي السوري، من أجل الترويج "للعرس الديموقراطي"، وهو التعبير نفسه الذي يُستخدم في سوريا مع كل انتخابات (صورية) في البلاد، منذ وصول حافظ الأسد للسلطة مطلع سبعينيات القرن الماضي وحتى توريثه الحكم لابنه بشار العام 2000.. انتخابات لم أشارك في أي منها بطبيعة الحال.

لا مجال للشعور بالصدمة من مشهد الاحتفالات البرتقالية في ساحة ساسين التي أمر بها كل يوم في طريقي إلى العمل، حتى مع الموسيقى "الوطنية" الصاخبة وتوزيع الحلويات.. الجميع حسم نتيجة الانتخابات قبل حصولها أصلاً. الناس أنفسهم لا ينتخبون، ومجلس النواب "الممدد له" قد يراه كثيرون غير شرعي، حسبما قرأت في الكثير من مشاركات الأصدقاء اللبنانيين عبر السوشيال ميديا. والمشهد يبدو بعيداً عن الديموقراطية التي تتحدث عنها التلفزيونات المحلية، بل هي أقرب لأوليغارشية متنكرة في عيد "هالووين" الذي يصادف اليوم.

وإن كانت "الديموقراطية" اللبنانية في السابق محصورة في الطوائف وصور الزعماء التقليديين، فإنها توسعت في نموذج عون الذي تتم صناعته، إعلامياً على الأقل، كحاكم وطني "يرسم العهد الجديد". هذه الصناعة التي نعرفها كسوريين، أكثر من أي شعب آخر ربما، وبالتالي يصبح مشهد الاحتفالات البرتقالية "الشعبية" في الطرقات والذي تنقله القنوات التلفزيونية، محزناً، أكثر من كونه مستفزاً أو مزعجاً.

وبغض النظر عما إذا كانت الديموقراطية اللبنانية، حقيقية أو زائفة، إلا أن مشاهدة الكثير من اللبنانيين يعبرون علناً عن موقفهم المضاد لعون، في الشارع وعبر مواقع التواصل، كـ"فشة خلق"، تجعلني أفكر في سوريا المستقبل: ربما سنكون هكذا بعد انتهاء الحرب، نعبّر بحرية كأفراد، من دون أن نؤثّر في أي مسار ديموقراطي حقيقي، وستصبح الديكتاتورية مقنّعة في أفضل الحالات، بعدما فشلت الثورة في فرز معارضة لائقة وقادرة على تغيير النظام من جذوره، بدلاً من تشذيبه كما تشير التسويات المتداولة إعلامياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها