الإثنين 2017/01/23

آخر تحديث: 19:00 (بيروت)

وحيداً في العالَمَين

الإثنين 2017/01/23
وحيداً في العالَمَين
increase حجم الخط decrease
الوحدة هي نفسها أينما حلّت. في الحياة الواقعية والافتراضية. أن تكون لا مرئياً في مجتمعين اثنين، تلك صفعة كبيرة لذاتك. 
هناك من يعيش الوحدة بكل تفاصيلها، رغماً عنه أو باختياره. اختيار الوحدة هو أن تبتعد عن مشاركة تفاصيل حياتك مع شخص آخر مهما اختلف توصيفه. تشرب القهوة وحدك، تطالب بمقعد واحد أينما ذهبت. تشتري بطاقة واحدة لمسرحية تحبها أنت، ولا أحد غيرك. تمشي ويداك تتعاركان مع الهواء. أن تحتفل في عيد رأس السنة الجديدة وحدك ثم تذهب إلى الفراش وحيداً من دون أن تكلّف نفسك عناء النظر الى هاتفك لأنك على يقين من عدم وصول رسالة كُتبَ فيها "أتمنى لك سنة سعيدة معاً، وأحلاماً هادئة". 

وهناك من يجد نفسه يعيش في الوحدة من دون أن يدعوها حتى. يحشر نفسه مع العالم الخارجي غصباً عنه، لكن لا وجود لمَن يشتّت هذه الوحدة ويطردها عنه. وجعُ الوحدة مؤلم أكثر عندما تختارك هي ولا ترحبَ بها.

تتخذ الوحدة مسمّيات وأشكالاً حياتية عديدة. النأي بالنفس عن العالم، الغربة التي تعيشها وسط عالم وُلدت فيه وأناس تربّيت بينهم ومعهم.. هكذا بكل بساطة. تكتشف بأنك وحيد بينهم، يقتلك الفراغ بين مجموعة من الناس وأنت تبسط على وجنتيك ضحكة مسايرة وتقول في نفسك: "عن ماذا يتكلمون، هل من ينقذني منهم الآن؟". ولأنك وحيد، لن تجد من يمد يد العون لك. أو أن تمشي بين رفاقك، وكل منهم يتكلم بهاتفه ويتخوّف من فراغ شحن بطارية هاتفه بينما هاتفك ينعم بالدفء في جيبك وبطاريته مشحونة باللون الأخضر.. 

الوحدة أيضاً ألا تجد في محيطك شخصاً تصارحه بأفكارك وهواجسك، أن تُفرغ فيه كل صراعاتك مع نفسك ليأتيك الجواب منه مطمئناً.

الوحدة في الواقع، تتماهى مع الوحدة في وسائل التواصل الاجتماعي. في فايسبوك تحديداً من توصيف "سينغل" Single يدل إلى أمور كثيرة. هي أن أحداً لن يكتشف وحدتك سواك. ماذا يعني أن أكتب ستاتوس في صفحتي الفايسبوكية، ولا أحصل إلا على عددٍ قليل من الإعجابات علماً أن ثمة مَن كتب كلمات سخيفة تخطى عدد الإعجاب بها المئات وربما الآلاف؟ ماذا يعني أن أشارك صورتي هنا ويأتيني التعليقات من أغراب لا ينتمون إلى صفحة أصدقائي حتى؟ 

حسنًا، كيف أعرف نفسي بأني وحيدٌ أيضاً في العالم الافتراضي.. من صور الأصدقاء الذين يحتفلون مع بعضهم البعض في كل المناسبات بينما أنا أقوم بوضع اللايك أو علامة الاعجاب على صورهم.. أعرف إنهم في ما بينهم، قد لا يضمرون لبعضهم كامل المحبة لكنهم يستمرون بالالتقاء.. كيف أعرف أيضاً، بأني وحيد؟ خاصية الـcheck in التي تعطينا إشعاراً في المنطقة الفلانية، وأن فلاناً سافر إلى منطقة أخرى للسياحة مع زوجته ربما أو عشيقته. لا يهم. المهم أنه سافر تاركًا وحدته خلفه، ولم يغرق بها مثلي.

ليس هذا فحسب. أعلم أني وحيد حين يخلو الانبوكس من رسائل أو مجموعات الأصدقاء التي تظل ترسل إشعارات برسائل جديدة إلى هاتف أحدهم في سيارة الأجرة. حتى تلك التطبيقات المجانية التي لا تكلّف كثيراً، ربمّا أكون الفرد الوحيد الذي لا يستعملها. لأنه ليس لي أحد أكلمه.. تسألون عن أهلي! ليس لي سوى أمي والتي لا تعرف من الهاتف سوى الإجابة عليّ حين أطلبها أو للضغط على إسمي حين تحتاجني.

أعلم أني وحيد حينما أختار التعليق على مقطع كتبه أحدهم في فايسبوك ولا يجاوبني، يكتفي بوضع اللايك. وأعلم أكثر أني اخترت التواجد في هذا العالم. وأكثر.. كيف أنشر معلومة مهمة على صفحتي ولا أجد من يضع علامة الإعجاب أو يناقشني بمضمون ما نشرته. لا أحد!! هل أقوم أنا بوضع علامة اللايك على ما كتبته. لا قد أصبح حديث المراقبين ومادة للسخرية.. 

حسناً، ماذا أفعل؟؟ هل أتوقف عن النشر وترك صفحتي للفراغ أو ربما ألغي حساباتي الالكترونية حينها لن ينتبه لي أحد.. أعلم هذا لكن لن أقدم على هذا خوفاً من تغلغل الوحدة فيّ أكثر. 

أكثر ما يؤلمني، حين أرسل رسالة إلى أحدهم في "تويتر" أو "فايسبوك"، أشرح فيها سبب إرسالي لها سائلاً إياه عن أمر ما أو مبدياً رأيي بشيء كتبه ولا يُجيبني.. بكل بساطة، ينظر إلى رسالتي ويغفل عنها. هو وغيره يُصرّون على جعلي مواطناً رقمياً لا- مرئياً. وحده مارك زوكرنبيرغ " يسألني ماذا في بالي أو Whats in your mind " أو يلقي التحية عليّ ويحتفل في عيد ميلادي بمجموعة صور، وحين أجيبه لا يرد عليّ. 

أنا وحيد هنا، بين الناس، وفي السوشال ميديا ولا أحد يلاحظني، لأنهم جميعاً غارقون في هواتفهم.

ألجأ إلى "غوغل" للبحث عن إرشادات حول كيفية إظهار نفسي في هذا العالم. أقرأ وأقرأ. أستنتج أني أقوم بالقسم الأكبر من هذه الخطوات والنصائح التي تظهر أمامي ولكني لا ألقى النتيجة نفسها. ما السبب لكل هذا. لماذا يزيد هذا الفضاء من وحدتي ولا يُشفيني منها.. 
" أنا وحيدٌ في العالمين". آخر جملة كتبها على صفحته قبل الرحيل!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها