الثلاثاء 2015/03/03

آخر تحديث: 14:44 (بيروت)

الغوطة الشرقية: "حاجز الملايين".. معبر بين الجوع والإستبداد

الثلاثاء 2015/03/03
الغوطة الشرقية: "حاجز الملايين".. معبر بين الجوع والإستبداد
في الغوطة الشرقية يستبدل الخبز بالملفوف، "الخبز الأخضر" (Getty)
increase حجم الخط decrease

خلف "حاجز الملايين" يعيش حوالي 450 ألف شخص يعانون الجوع والحصار منذ سنتين. وحاجز الملايين في سوريا هو الحاجز الوحيد الفاصل بين الغوطة الشرقية والمناطق المحيطة بها التي يسيطر عليها النظام. يسمى كذلك نسبة للثروة المليونية التي يحصلها المسؤولون عن الحاجز. تتحكم الجهة التي تتولى هذا الحاجز، وهي في الوقت الحالي الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، بدخول المواد الغذائية الى المنطقة المحاصرة. ومرور المواد الغذائية لا يكون بالمجان مطلقاً، وكلفته تتبدل وفقاً للمواسم.

غالباً ما يسمح بمرور كمية من المواد الغذائية الأساسية مع بداية فصل الصيف. يتقاضى الحاجز ما يسمى بالـ"الأتاوة" عن كل كيلوغرام واحد يمر عبر الحاجز. وتتراوح قيمتها بين 200 ليرة الى 600 ليرة، أي بين الدولار الواحد والـ3 دولارات عن كل كيلوغرام.

وإختيار فصل الصيف لفتح الممر ليس عبثياً، بل هو تجاري بإمتياز. بالإضافة الى ذلك، فهو موقف يترجم توجه النظام نحو إستنزاف أموال أهل الغوطة، وهم معظمهم مزارعون، للإجهاز عليهم تحت الحصار...

 يتم ذلك وفقاً لمعادلة تجلت مع مرور الوقت وإتضح وجود منهجية لفتح الممر وإقفاله. المعادلة تقوم وفقاً لأحد الناشطين في أعمال الإغاثة في الغوطة، في حديث لـ" المدن"، على منع دخول المازوت بشكل أساسي شتاءً، ورفع الأتاوة عليه. يؤدي ذلك الى رفع سعره ليصل الى 1100 ليرة في الغوطة مقابل 80 ليرة سورية في المناطق التي يسيطر عليها النظام. ثم يتم فتح الحاجز لمرور الحمضيات (ناتج الساحل التابع للنظام) بأتاوة منخفضة مع بداية فصل الصيف. إرتفاع قيمة المازوت شتاءً وخفض قيمة الأتاوة على منتجات زراعية صيفاً، يؤديان الى رفع تكلفة إنتاج المزارع في الغوطة، مقابل إنخفاض قيمة ما يسمح النظام بدخوله. وفقاً لهذه المعادلة، نجد منتجات مزارعي الغوطة كاسدة، ما يحد من مدخولهم ويعزز الأزمة الغذائية في المنطقة.

 في مطلق الأحوال لا يغيب عن "حاجز الملايين" أهمية التهريب ومكاسبه. والتهريب هنا يأتي بمعنى تمرير بعض المواد خلال فترات الإغلاق مقابل مبالغ مالية كبيرة يدفعها التجار. وتتسم هذه المواد بأنها "نوعية"، كفاكهة الموز مثلاً، التي تباع في الغوطة بـ 4000 ليرة سورية، في الوقت الذي يساوي سعرها 140 ليرة خارجها.

وللمحاصِر أساليب أخرى لتغيير الأسعار والتلاعب بها بما يتناسب ومصالحه. إطلاق الشائعات حول فتح الممر أو إعادة إغلاقه أحد أهم هذه الأساليب. يكفي أن يشاع مثلاً أن المواد الغذائية ستمنع من الدخول حتى يرتفع سعر كيلوغرام السكر مثلاً من دولارين الى 16 دولاراً. وقد ارتفع الى 32 دولار في إحدى المرات بسبب الحديث عن إقفال نهائي للممر، بعد هجوم للكتائب المسلحة على الحاجز. في المقابل تنخفض الأسعار الى النصف مباشرةً، بمجرد شائعة فتح الممر.

خلال الشتاء لا مرور للمواد الغذائية مطلقاً، والحصار يتفاقم هنا الى حده الأقصى. ما يشفع بالغوطة أنها أرض زراعية، وهي تنتج خلال الشتاء مجموعة محدودة من الخضار. بشكل أساسي الزهرة والملفوف والسبانغ واليقطين. تشكّل هذه المنتوجات الأربع محور النظام الغذائي لسكان الغوطة. ويبقى الملفوف أهمها ربما... فهو يستعمل كبديل للخبز، الذي يصل سعره الى 3.5 دولار، ولا يعود بمقدور العائلات شراؤه. ويسمى الملفوف تبعاً لذلك بالـ"خبز الأخضر" .

في ظل تبدل الأسعار المفاجئ والحصار الممارس على الغوطة من قبل النظام، تحتاج العائلة المتوسطة الى حوالي  660 دولار شهرياً. هذا المبلغ يكفي لو ألغت العائلة الأرز، واللحوم من نظامها الغذائي نهائياً، وتغذت من خضروات الغوطة حصراً. يقابل هذا الواقع بمدخول لا يتعدى الـ200 دولار كحد أقصى للعائلة. يحصّل هذا المردود من يتمكن من الحصول على وظيفة في منظمة أو مؤسسة مدنية، حيث يتقاضى 100 دولار شهرياً، عن عمل يمتد لـ8 ساعات يومياً. في الحالات الأخرى، يتوجه الشباب نحو الإنخراط في الكتائب المسلحة لتحصيل 100 دولار شهرياً. وفي كلا الحالين يبحث الشخص عن عمل آخر يحصّل منه 100 دولار أخرى!

نذير، شاب معيل لعائلة من 5 أفراد يوضح لـ"المدن" أنه يعمل ووالده في المجلس المحلي، ويتقاضى كل منهما حوالي 30 دولاراً أسبوعياً. تكفي قيمة مدخولهما نحو أربعة أيام كحد أقصى. يقول: "نكمل بقية أيام الأسبوع نأكل الزيتون الى أن نحصِّل مدخول الأسبوع اللاحق... وعلى هذا المنوال نعيش".

عائلة محمد (اسم مستعار)، مؤلفة أيضاً من 5 أشخاص. تكلفة معيشتهم الشهرية توازي الحد الأدنى، أي 700 دولار تقريباً. حتى هذا الوقت يتراكم على محمد دين وصلت قيمته الى 5000 دولار ليتمكن من تحصيل طعام عائلته.  يقول محمد لـ"المدن": نعتبر عائلة ميسورة، ونحن نملك الأراضي. يضيف: بيع الأراضي هو الحل الأخير ويرتبط بالحالات الطارئة، ذلك أنه ليس هناك مشترون سوى "الإقطاعيين". والأخيرون، وفقاً لمحمد، لا يدفعون أكثر من عشر قيمة العقار!

مع نهاية شهر شباط الفائت، أظهرت النشرات الإقتصادية التي تنشرها مؤسسة "أسس في الغوطة" على صفحتها على "الفايسبوك"، حجم التفاوت بين أسعار السلع الغذائية داخل الغوطة الشرقية وأسعارها في دمشق. تظهر النشرة أن سعر البيض يزيد في الغوطة 800% عن سعره في دمشق. أما سعر البرغل فيزيد في الغوطة بنسبة 1000% عنه في دمشق. ليرتفع الفارق بالنسبة للبصل الى 2000%. يبقى أن معظم السلع المتبقية كالأرز والدجاج، تزيد قيمتها داخل الغوطة حوالي الـ700% عنها في دمشق.

 

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها