الخميس 2015/04/23

آخر تحديث: 17:14 (بيروت)

"هيئة التنسيق" تعود الى الشارع... من دون أي جديد

الخميس 2015/04/23
"هيئة التنسيق" تعود الى الشارع... من دون أي جديد
حنّا غريب يدعو هيئة التنسيق الى عدم الرهان على السلطة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

الحديث عن تحركات "هيئة التنسيق النقابية" لم يعد بالسهولة التي كان عليها خلال السنوات الثلاث الماضية. ليس لأن أمراً ما غامض في القضية، بل لأن كل شيء واضح، والكلام لم يعد محصوراً بنقل وقائع الإعتصامات وإتجاه التحركات، بل بات متشعباً لدرجة الحاجة الى الحديث عن كلّ مكوّن من مكونات الهيئة على حدة، والإلتفات الى تصريحات نقابيين ومراقبة جلسات جانبية لنقابيين آخرين مع أهل السلطة المفترض أنهم "خصوم" في معركة السلسلة. وأيضاً علينا عدم إغفال التخبط الذي تشهده "القواعد" بعد ان كانت في "أيام حنّا غريب" مصدر السلطة لهيئة التنسيق. لكن ما يمكن البناء عليه اليوم، هو انتظار بصيص أمل من عودة التحركات الى الشارع، والتي كانت فاتحتها اليوم إعتصام أمام مجلس النواب في وسط بيروت، تحت المطر.

غير ان ملاحظة "جوّ" الإعتصام تُظهر شيئاً من القلق حيال مستقبل التحركات. فقلّة عدد المشاركين، وضع هيئة التنسيق في موقف حرج، فمن جهة كان عدد المعتصمين خجولاً جداً، لا يتوافق مع ضخامة مطلب سلسلة الرتب والرواتب، ومن جهة أخرى، يُؤكد العدد ان الكثير من الأساتذة يعتبر أن المعركة انتهت، وأُعلن عن انتهائها يوم تكتّلت الأحزاب لترويض رابطة اساتذة التعليم الثانوي ومن خلفها باقي مكونات الهيئة. وبدا الأمر واضحاً من خلال الكلمات التي ألقاها النقابيون. اذ اقتصرت الكلمات على اعلان مواقف عامة رافضة للمماطلة في اقرار السلسلة، فضلاً عن التأكيد على حق الأساتذة والموظفين بالسلسلة أسوة بأساتذة الجامعة اللبنانية والقضاة الذين نالوا سلسلتهم.

وحدها كلمة نقيب الأساتذة في المدارس الخاصة نعمة محفوض رفعت السقف قليلاً، عبر الحسم بأن "العام الدراسي لن ينتهي إلا بعد إقرار السلسلة" محملاً السياسيين "مسؤولية ما ستؤول إليه الأمور من اليوم وحتى نهاية العام الدراسي". وانتقد محفوض إكتفاء النائب جورج عدوان بإعتبار ان السلسلة حق للموظفين، من دون تقديم أي حلول، سائلاً: "من يصرف حق الموظفين، ومن يقرّه، نحن نسمع الكلام منذ أربع سنوات، وأين معلمو المدارس الخاصة من السلسلة، وأين وحدة التشريع".
ولم يسلم وزير الصحة وائل أبو فاعور من انتقادات محفوض، فأبو فاعور كان قد دعا وزير التربية الياس بو صعب الى إلغاء المنح المدرسية في التعليم الخاص واعادة النظر بملف المدارس المجانية، كما دعا الى الاصلاح في التعليم الرسمي. ورد عليه محفوض بالقول: "إذا كنت تظن أن اصلاح التعليم الرسمي هو بإلغاء المنح للاساتذة فأنت واهم. ارفعوا أيديكم عن المدارس والجامعات، ووزارة التربية، وعندها يتحسن التعليم". وبالنتيجة، فإن الخلاصة التي أعلنها محفوض تمثّل رسمياً موقف "هيئة التنسيق النقابية" من رفض السلطة السياسية إقرار السلسلة بواسطة ربطها بإقرار الموازنة، التي - في الأغلب - لن تُقر.

موقف محفوض إستند على حُسن النية التي أظهرتها هيئة التنسيق على مدى 8 أشهر، اذ غابت الهيئة عن الساحات، ولم تدع الى إقفال المدارس والإدارات العامة، لأن وضع البلاد الأمني والإقتصادي لم يكن يحمل المزيد من إثارة الملفات الساخنة، لاسيما أنه في تلك الآونة شهدت المؤسسة العسكرية إختطاف جماعتي "داعش" و"النصرة" لجنود لبنانيين في جرود عرسال، ما استدعى تهدئة للتحركات النقابية، على أمل ان تستفيد السلطة من هذا الهدوء لتُقِر السلسلة. لكن السلطة لم تعِ ماهيّة هذا الهدوء، ولم تحترم وعدها للهيئة بأن تقر السلسلة، فهي - أي السلطة - قالت سابقاً إنها لا تستطيع التشريع تحت الضغط، فكانت التهدئة لكن لم تكن السلسلة.

هيئة التنسيق التي دعت الى اضرابات واعتصامات في المناطق، لم تتمكن من استعادة الزخم القديم للتحركات الذي اعتاده الناس وأصحاب السلسلة. أما في الخطابات، فلم يسمع المعتصمون خطة عمل مختلفة عن تلك التي كانت قبل 8 أشهر. بل على العكس، فإنّ الخطابات وخطة العمل السابقة كانت أكثر "شراسة" من اليوم، تجاه أهل السلطة وظهيرهم المالي الذي سمّاه غريب يوماً "حيتان المال".

وعلى ضوء تراجع الأداء المعهود للهيئة، طالب "التيار النقابي المستقل" هيئة التنسيق بـ"الإنتقال من موقع المراهنة على مواقف المسؤولين الى الهجوم وتسمية الأشياء بأسمائها"، لأن المسألة لم تعد تتعلق بالسلسلة فقط، "بقدر ما أصبحت مسألة كرامة ووجود أمام الرأي العام وأمام قواعدنا". ودعا التيار في بيان له الى وضع خطة عمل تتضمن "تنفيذ اعتصامات أمام منازل النواب، وفي كل وزارات الدولة وإداراتها"، إضافة الى الخطوات المتعلقة بالعام الدراسي، بدءاً من "عدم إنهاء العام الدراسي وشل العمل في وزارة التربية والتعليم العالي وفي المناطق التربوية في المحافظات، ومقاطعة أسس التصحيح والتصحيح في الإمتحانات الرسمية".

التراجع بدا واضحاً من خلال حديث الأساتذة في ما بينهم، ومن عدم رضا حنّا غريب عن تراخي المواقف. فبعض الأساتذة أخذ يلقي اللوم على الأحزاب، وبدرجة أكبر على الأساتذة الحزبيين الذين انصاعوا لأوامر أحزابهم الداعية الى ترك موضوع السلسلة للنواب والوزراء. في حين دعا غريب القيادات النقابية الى الإعتصام أمام مراكز احزابهم، ومطالبتهم بالسلسلة، لأنهم سبب ما آلت إليه الأمور.

وتجدر الإشارة الى ان "بعض الأساتذة والنقابيين يقولون في أحاديث جانبية إنّ حنّا غريب هو سبب ما وصلت إليه الهيئة، لأنه "رفع السقف"، ولم يترك خط عودة مع السلطة"، وفق ما تشير إليه مصادر نقابية لـ "المدن". ولو صحّت نبؤات هؤلاء النقابيين، لكان إقصاء غريب وتخفيض السقف أفرجا عن السلسلة، وهذا ما لم ولن يحصل، مما يعني ان هذه النبؤات ليست سوى محاولات لتغطية فشل رهان هؤلاء على أهل السلطة. لكن ما يثير الاستغراب أكثر، هو إستمرار الرهان كعنوان عريض لسياسة بعض النقابيين ضمن هيئة التنسيق، علماً ان هذا الرهان لم يُخلق فجأة، بل كان موجوداً منذ البداية، لكنه كان محاصراً بصلابة موقف غريب في الهيئة، وبقرارات القواعد التي كانت تلجأ إليها الهيئة لإتخاذ قرار التحركات، وهذا ما لم يحصل في إعتصام اليوم، ولن يحصل، على الأرجح، في الإعتصام المقرر في 6 أيار المقبل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها