الثلاثاء 2015/06/30

آخر تحديث: 18:06 (بيروت)

إقترِض... لتحمي البيئة

الثلاثاء 2015/06/30
إقترِض... لتحمي البيئة
حماية البيئة إنتقائية... وبفائدة وأكلاف غير محددة (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease

تلفت القضايا التي يهتم بها الأوروبيون وغيرهم من شعوب العالم الأول، نظر شعوب العالم الثالث، لكونها ترفاً فكرياً حصل بعد انجاز القضايا الحياتية الأساسية اللازمة لضمان معيشة الفرد والمؤسسات. فالإتجاه الأبرز هناك هو نحو الإهتمام بالبيئة وإيجاد أكثر السبل تطوراً للحفاظ عليها، وإستغلال مصادر الطاقة المتجددة بأفضل الأوجه، لتأمين الحاجة المادية، وضمان سلامة البيئة.

تلك الخطوة المهمة على صعيد البيئة والإنتاج، هي خطوة أساسية في تلك المجتمعات، لكن ماذا لو نقلنا الترف الفكري ذاك، الى مجتمعاتنا ذات البنى التحتية غير المستعدة لإستقبال مثل ذلك الترف؟ وجهات نظر كثيرة يمكن تقديمها في هذا الإطار، وبين القبول والرفض والتريّث، يقبع الواقع كميزان للمفاضلة بين خطوة وأخرى. وفي معرض الخطوات، يكشف لبنان عن خلل في إدارة الأولويات والتخطيط في الإدارات العامة والوزارات.

وفي ظل تردي الأوضاع الإقتصادية، وتراجع حركة قطاعي الزراعة والصناعة، وأزمة إقفال المعابر البرية وتراجع حركة السوق الداخلية، توصلت وزارة البيئة ومصرف لبنان الى اطلاق مبادرة اعطاء "قروض ميسرة لمكافحة التلوث البيئي في لبنان"، ضمن مشروع مكافحة التلوث البيئي في لبنان (LEPAP)، الممول بقرض من البنك الدولي بقيمة 15 مليون دولار وهبة "قدرها 2.3 مليون يورو مخصصة للمساعدة التقنية" مقدمة من مكتب التعاون التنموي الإيطالي. وبموجب هذه المبادرة، تُقدّم التسهيلات للمصانع والمؤسسات بتجهيز منشآتها بمعدات ولوازم صديقة للبيئة، وتحد من التلوث، والتي تندرج ضمنها آليات تنقية مياه الصرف الصحي و"فلاتر" للحد من الإنبعاثات، وتقنيات تخفيف إستهلاك الطاقة... وما الى ذلك. وتعتبر هذه المبادرة، "خطوة اساسية لتطوير عمل القطاع الصناعي عبر توفير سبل التمويل والمساعدة التقنية للتقيد بشروط الالتزام البيئي التي تشكل اساساً في مسؤولية الشركات الاجتماعية"، على حد تعبير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي رأى في كلمته اليوم، خلال إفتتاح ورشة العمل المخصصة لهذا الموضوع، في مصرف لبنان، ان "الحد من التلوث في هذا القطاع (الصناعي) أساساً لتطويره، وليس امراً تجميلياً، وهو بوابة لإدخال تقنيات جديدة، ستخلق عالماً من الفرص التي ستؤهل القطاع لتغيير بنية أكلافه وطرق الإنتاج، اعتماداً على مصدر للطاقة البديلة، ما سيوسع من آفاقه المستقبلية وقدراته لمواجهة التحديات المحلية والاقليمية". ولا تتلخص المبادرة بالشأن البيئي، بل هي بحسب سلامة، "فرصة جديدة لتأكيد نجاح التنسيق بين القطاع العام ممثلاً بمصرف لبنان والوزارات المعنية من جهة، والمنظمات والمؤسسات الدولية كالبنك الدولي والقطاع الخاص ممثلاً بالمصارف اللبنانية والمستثمرين وشركات خدمات الحد من التلوث والطاقة البديلة، من جهة ثانية".

المبادرة التي قطعت أشواطاً في تحديد الحاجات الملحّة للقطاع الصناعي، رأت ان إلتزام المصانع والمؤسسات بالشروط البيئية هو أمر أولى من تأمين الدولة للبنى التحتية الضرورية لتطوير القطاع الصناعي وإكساب المنتج الصناعي قدرة تنافسية. غير ان التسليم بأولوية هذه الخطوة، يدعو الى التساؤل حول سبب عدم إلزام المصانع والمؤسسات بإعتماد تقنيات صديقة للبيئة، وعدم تحرك الدولة جدياً لإنهاء ملفات بيئية أكبر، كموضوع المطامر ومعامل انتاج الكهرباء ومصانع الترابة... وغيرها.

على ان المعضلة الأكبر، هي ربط المبادرة بقروض "مدعومة من مصرف لبنان عبر المصارف التجارية، بفائدة نسبتها حوالي الصفر بالمئة"، وفق ما أشار إليه وزير البيئة محمد المشنوق. فالمنشأت التي تريد ان تكون صديقة للبيئة، عليها التقدم بطلب للحصول على القرض، وبالتالي، فإن المجال مفتوح أمام المنشآت لعدم تبني هذا الخيار. ومن جهة أخرى، فإن اللجوء الى القروض يصب في مصلحة المصارف التجارية، التي تؤكد ان لا شيء إسمه قرض بفائدة 0%، مما يعيد تسليط الضوء على عبارة "حوالي الصفر"، الواردة في كلمة المشنوق. وتشير مصادر في بنك الإعتماد اللبناني وبنك لبنان والمهجر، الى ان "لا شيء عملياً حتى الآن في ما يتعلق بهذا المبادرة، فهي ما زالت نظرية وتحتاج الى الكثير من الإجراءات حتى تُعمم على المصارف وتدخل حيز التنفيذ"، لكن في جميع الأحوال، فإن "القروض التي يقال بأنها بفائدة 0%، لا تعني عدم ترتيب أكلاف معينة على المقترض، فهناك أكلاف وفوائد". بمعنى آخر، اذا ما دعم مصرف لبنان القروض عبر تغطية الفوائد، يبقى للبنك ان يستفيد من لأكلاف، كأن يفرض رسوم فتح ملف ومبلغاً للتأمين وبدل طوابع... وغيرها من الرسوم والأكلاف التي تحددها شروط كل بنك على حدى.

وبرغم عدم تحديد موعد تنفيذ هذه المبادرة، وعدم رسم ملامح قروضها بشكل نهائي، الا ان جمعية الصناعيين ترحب بها، لأن على المصانع "الإلتزام بالشروط البيئية"، ولا مانع، من زيادة كلفة الإنتاج جراء هذه الخطوة، نظراً للكلفة الجديدة التي تتحملها المصانع في ظل حصولها على القروض، على حد تعبير رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل - خلال حديث لـ "المدن" - حيث ان على المصانع "ان تكون مُنافِسة حتى في ظل تلك الكلفة".

إذن، تريد وزارة البيئة ومصرف لبنان ان يضع القطاع الصناعي همومه الإنتاجية جانباً، ويتفرغ لملاءمة شروط البناء والتشغيل مع البيئة، وهو أمر مطلوب بطبيعة الحال، لكن إن كان مهماً الى درجة إفراد قروض له، فلماذا لا تكون هذه الملاءمة إلزامية؟ وهل قرض البنك الدولي المخصص للمشروع، هو بلا فوائد يُطالب لبنان بتسديدها؟ وبعيداً من القروض ودور المصارف التجارية في تعزيز "ثقافتها"، التي تربط الأفراد والمؤسسات بديون لا تنتهي، تبقى التجارب الرسمية في التعاطي مع الملفات البيئية غير مشجّعة، مما يضع هذه المبادرة في السياق نفسه، فلا يبقى منها بعد فترة سوى القروض وفوائدها وإستفادة المصارف من أي اموال تدخل خزانتها، تحت أي عنوان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها