الأربعاء 2014/10/22

آخر تحديث: 16:35 (بيروت)

"إطلاق الفرص" النفطية ليس سوى أمنيات!

الأربعاء 2014/10/22
"إطلاق الفرص" النفطية ليس سوى أمنيات!
جبران باسيل الوزير الحاضر - الغائب في وزارة الطاقة (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease



فجأة، تتحول قاعات المؤتمرات إلى عوالم معزولة عن العالم خارجها. فالكلام المعسول في الداخل، لا يجد موطىء قدم له على بعد متر واحد من باب قاعة أي مؤتمر يتناول أي موضوع. طبعاً لأن الحديث الهادىء والمدبلج والمحضّر مسبقاً، يطغى على الواقع وكلامه العفوي، الذي يختلف كثيراً عن بروتوكولات المؤتمرات.
لا تختلف مؤتمرات لبنان عن مثيلاتها في بقاع الأرض، فتشترك مع غيرها في الكثير من المراسيم والبروتوكولات والكلمات المحضرة مسبقاً والدعوات وما الى ذلك، لكنها تتفوق على باقي المؤتمرات لجهة الغلو في تلميع صور الواقع المقزز، و"على عينك يا تاجر"، وبرغم وجود الإعلام الذي ينقل صورة الواقع وصورة المؤتمر.

الغلو هذه المرة جاء في موضوع النفط اللبناني، هذا الموضوع الذي أعيد طرحه بعدما طُمر مع عدد من الآبار التي حفرت في فترة الأربعينيات والخمسينيات، وكانت قد سبقتها خطوات تشريعية في عهد الإحتلال الفرنسي، وتحديداً عندما أصدر المفوض السامي الفرنسي هنري دي جوفنيل تشريعاً يجيز التنقيب عن النفط والمعادن واستثمارها، وذلك في العام 1926.
والغلو يبدأ بالإكثار من الحديث عن حسنات إستخراج النفط، والفوائد المالية والإقتصادية عموماً التي سيكتسبها لبنان جراء تحوله إلى بلد نفطي. والحسنات تلك، تبدأ من تأمين هذا القطاع لحوالي 36 ألف فرصة عمل جراء تلزيم البلوكات النفطية، ولا تنتهي عند حدود "تنمية إقتصادنا الوطني"، وتحديداً لأن "قطاع البترول هو ما تبقى لنا من بين القطاعات القليلة التي تمتلك القدرة على دعم نمو الإقتصاد اللبناني"، وفق ما ذكره وزير الطاقة والمياه أرتور نظريان، اليوم الأربعاء، خلال إفتتاح "اليوم اللبناني للبترول 2014، بعنوان إطلاق الفرص" في "فندق فينيسيا" في بيروت.

نظريان الذي لم يتطرق إلى أسباب عدم تطوير القطاعات الإنتاجية الأخرى، مفضّلاً عرض الواقع فحسب، قدّم صورة منمقة للحديث عن قطاع النفط، امتدت الى الحديث عن مشاركة جهات عديدة في هذا الملف، وعلى مختلف الصعد، إذ أشار الوزير الى أهمية مشاركة "الأحزاب السياسية والمؤسسات الإقتصادية وجمعيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والرأي العام بكل أطرافه"، في تقديم الإجابات حول سؤال "هل تريدون تقدّم قطاع البترول الى الأمام أم لا؟"، واستند الوزير في دعوة المشاركة الى ان "مبدأ المشاركة المعتمدة لتطوير النظام البترولي في لبنان يسمح للبرلمان والوزارات المعنية والأحزاب السياسية والمنظمات الدولية ولممثلي المجتمع المدني، ولشركات النفط العالمية بالمراجعة وبتقديم آرائهم في كل ما تم تحضيره للتوصل الى ما تحقق وانجز". وهذه الصورة وأضواء الكاميرات وترتيب القاعة، أنست الوزير - ربما - ان الحديث عن مشاركة الإعلام والرأي العام والمجتمع المدني في أي ملف، هو أشبه بضرب من الخيال. فلا وزارة ولا جهة رسمية أخذت في الإعتبار حرفاً واحداً من كلام المواطنين، بل كل ما يؤخذ في الإعتبار هو المصالح الشخصية والحزبية الفئوية، وتحديداً في ملف النفط.
ملف النفط الذي يعتبر - وهو كذلك - رافعة للإقتصاد اللبناني، لم يدخل الحديث عنه حيز الاهتمام إلاّ مؤخراً، وهذا بحد ذاته يطرح تساؤلات أهم من التساؤل حول رغبتنا في تقدّم هذا القطاع أم لا. والصراع السياسي حول التلزيمات وحول نقطة البدء بالتنقيب، أولى بتسليط الضوء عليهما من سرد تفاصيل عمليات تهافت الشركات الأجنبية على حقولنا النفطية، كما ان الإجابة عن سبب إصرار فريق سياسي لبناني على الإحتفاظ بحقيبة وزارة الطاقة والمياه، خاصة بعد الحديث عن النفط، بوصفها "ضمانة للمسيحيين"، لهو أكثر حاجة للمواطن الذي يقحمه السياسيون، رغماً عنه، في مزايداتهم.

وفي قاعة المؤتمر الواسعة، لم ينسَ نظريان الحديث عن تسليط "بعض وسائل الإعلام وبعض الخبراء، الضوء على المخاوف التي تناولت المساومات السياسية، الشفافية، الأطر القانونية، الشروط المالية، إمكانية إستخدام الغاز وخطط البنىى التحتية... وغيرها"، معتبراً ان "إثارة هذه المخاوف هو أمر شرعي، كما ان التدقيق في عمل الحكومة من قبل الرأي العام هو أمر ضروري لتعزيز المساءلة، وبالتالي لتفعيل السلطة التنفيذية والمؤسسات العامة وتعزيز دورها"، ولوهلة يشعر اللبنانيون بأنهم باتوا في دولة المؤسسات، ودولة المساءلة.

من جهة ثانية، رسم رئيس هيئة إدارة قطاع البترول ناصر حطيط صورة مستقبلية لما سيغدو عليه قطاع النفط، وتتضمن الصورة إستعداد الأردن لشراء غاز لبناني بقيمة 15 مليار دولار، وكذلك مصر - التي تملك غازاً وتصدره الى إسرائيل - بقيمة 17 مليار دولار، لكن سرعان ما إستفاق ناصر من حلمه، ليصرّح بأن ما تقدّم ليس في لبنان، بل كل ما يملكه لبنان هو أمل بأن يصل الى هذه المرحلة.
كما تحدث المدير التنفيذي لشركة نيوس NEOS جيمس هوليس، الذي أشار إلى إهتمام الشركة" بالإستثمار في لبنان في إطار المسح الجوي للموارد البترولية في البر اللبناني والمنطقة البحرية المحاذية للبر بمساحة إجمالية تبلغ ستة آلاف كيلومتر مربع".

تجدر الإشارة إلى ان حفلة التمنيات والأحلام تلك، جاءت بحضور وزير الخارجية جبران باسيل، وهو وزير الطاقة والمياه السابق، في خطوة تؤكّد، وإن عن غير قصد ربما، ان طيف باسيل حاضر بقوة في وزارة الطاقة. وهو ما إستُشفّ أكثر من مرة في ملف كهرباء لبنان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها