الخميس 2014/08/21

آخر تحديث: 19:28 (بيروت)

حلول أزمة الكهرباء والمياومين: محاضرة في العفاف

الخميس 2014/08/21
حلول أزمة الكهرباء والمياومين: محاضرة في العفاف
(علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يُلام مياومو الكهرباء وعمال غب الطلب على قطعهم للطرق وإحراقهم للإطارات وإقفالهم أبواب مؤسسة كهرباء لبنان في بيروت والمناطق، ومنع دخول الموظفين والمواطنين إليها المؤسسة، وبالتالي عرقلة سير العمل فيها. لكن لم يجرؤ أحد من اللائمين على البحث عن أسباب ما يقوم به العمال.

ولأن أحداً لا يريد بحث الأسباب جدياً، فإن محاسبة العمال على تحركات قاموا بها بعد سدّ كل المنافذ أمامهم، يجب أن تبقى، في الحد الأقصى، ضمن إطار الحديث بين شخصين بصوت خافت، لا أن تثار بضوضاء، لأن على من ابتُلي بالمعاصي أن يستتر. فما دَفَعَ العمال إلى تبني الخيار الأصعب هو انتهاج مؤسسة الكهرباء، بالتعاون مع الشركات مقدمي الخدمات، سياسة العبث بالقفير، ليعودوا بعد ذلك الى انتقاد لسعات النحل، وليس إلى مراجعة عملهم وسياساتهم وتقويم أخطائهم.

تلزيم مؤسسة الكهرباء القطاع الحيوي إلى الشركات جاء بهدف "إصلاح قطاع الكهرباء" عبر "إستفادة الدولة من مرونة وخبرات القطاع الخاص"، خصوصاً وان الشركات مقدمي الخدمات هي "شركات عريقة نفذت مئات المشاريع الكبرى في لبنان ودول المنطقة، واكتسبت امكانيات علمية ومادية لا تتوافر في الإدارات الرسمية المكبلة"، على حد تعبير المدير العام لشركة "بوتك للصيانة والتشغيل" فادي أبو جودة، الذي عقد مؤتمراً صحافياً، اليوم الخميس في نادي الصحافة في بيروت، حول "مشروع تأهيل توزيع الكهرباء وما يواجهه من تحديات وما تحقق من إنجازات".
عملية الإصلاح، بحسب أبو جودة، واجهت "حملة شرسة من الطفيليين والمافيات والمستقيلين من مسؤولياتهم ومن كل من راهن على مقدرته لطمس الحقائق وتشويه الواقع"، لكن برغم ذلك، "فقد فاقت النتائج المحققة والطموحات المرتجاة كافة التوقعات". ومن أهم النتائج المحققة، "ضبط وتحسين عملية الجباية وعملية الصيانة بدرجة كبيرة". على ان أبرز ما أنتجته الشركات من إصلاحات، هو مشروع العدادات الذكية، التي أكدت تجربته في عدد من المناطق، "إمكانية خفض الهدر في التيار من 40% الى ما دون 10%". وأمام كل هذه "الإنجازات"، يرى أبو جودة أنه "لا يجوز أن نخسر الرهان في خضم دخان الدواليب والتهويل والكلام اللامسؤول وشهادات الزور"، في إشارة إلى تحركات المياومين.


العرض الموسّع لعمل الشركات مقدمي الخدمات، وتحديداً شركة "بوتك"، لم يلحظ ولو لمرة، في كلمة أبو جودة، أي تحديد لهوية الطفيليين والمافيات وكل من يريد عرقلة إصلاح قطاع الكهرباء. وعليه، كيف تنتهج الشركات نهج الشفافية من دون تحديد هوية الفاسدين، لتتم محاسبتهم؟ وعن أي شفافية يُحكى في ظل تأخر الشركات في دفع رواتب العمال، وفي ظل الديون المتراكمة عليها لصالح المتعهدين؟
كلمة أبو جودة أتت أيضاً على ذكر النتائج المحققة، لكن أي نتائج يمكن الحديث عنها في ظل زيادة ساعات التقنين في المناطق، وفي ظل إنتشار التعدي على الشبكة الكهربائية بشكل متزايد، وأي صيانة تلك التي لم تسفر عن أي تقدم في عملية استبدال الشبكة الكهربائية المهترئة، وعملية صيانة مولدات الكهرباء، التي ما برحت تحترق نتيجة تحميلها أكثر من قدرتها، وهي المتآكلة أصلاً، ومصيرها يجب أن يكون التقاعد من الخدمة؟

من جهة أخرى، تطرّق أبو جودة الى ما أسماه "خرافة الأرباح الطائلة" التي تجنيها الشركات، فعرض "حقيقة" ان شركة "بوتك"، "أنفقت على مشروع إصلاح قطاع الكهرباء في أقل من سنتين ما يقارب المئة مليون دولار، ولم تستوفِ منها حتى الآن سوى 40 مليون دولار". لكن ما فات أبو جودة هو ان على شركته إضافة إلى الشركتين الأخريين "صرف ما يقارب 160 مليون دولار خلال هذه الفترة، بهدف تحقيق المشروع، وليس 100 مليون فقط. وهذه القيمة يُفترض بالشركات إنفاقها ضمن مهلة الفصول (semester) الموزعة على أساسها القيمة الإجمالية للمشروع، والتي تبلغ 790 مليون دولار"، وفق ما تقوله مصادر "المدن"، التي تعتبر أن "عدم إنفاق المبلغ المطلوب كاملاً يُعد تقصيراً في عمل الشركات".
وفي ما يتعلق بالعدادات الذكية وتخفيضها لنسبة الهدر، تلفت هذه المصادر النظر الى انه بالإمكان "استعمال تقنيات معينة تُمكّن المشترك من سرقة الكهرباء من العداد بسهولة". وحول ما أثير عن المسألة الأمنية المرتبطة بالعدادات، رأى أبو جودة في ردّ على سؤال لـ "المدن"، ان التقارير التي تحدثت عنها وسائل الإعلام "لم يكن لها أي أهمية"، علماً ان تقارير أجنبية عديدة حذّرت من استعمال هذه العدادات.
في خضم تصاعد وتيرة كشف الملفات المتعلقة في تلزيم الشركات وطريقة تعاملها مع العمال والمتعهدين، لم تُقدِم مؤسسة الكهرباء إلاّ على تحميل المياومين مسؤولية ما يجري، عبر التذرع بأن تحركاتهم وإقفالهم لأبواب المؤسسة يعرقل سير الأعمال، وذلك من دون الإلتفات لما يثار من فضائح. أما السياسيون، فغائبون عن هذا الملف، تماماً كما عن الملفات الأخرى، وجل ما يرشح عنهم، هو محاضرات عن ضرورة الإصلاح ومحاسبة الفاسدين.

increase حجم الخط decrease