الأحد 2015/03/01

آخر تحديث: 12:50 (بيروت)

العامل السوري في لبنان.. ضحية الإستغلال و"التدابير"

الأحد 2015/03/01
العامل السوري في لبنان.. ضحية الإستغلال و"التدابير"
في لبنان نحو 340 ألف عامل سوري يعملون في قطاع البناء (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

أبو عبدو عامل سوري في قطاع البناء، يقيم مع عائلته في منزل متواضع في إحدى قرى الجنوب، حصل على كفالة رب عمله مقابل إلتزامه بدفع مبلغ 200 دولار شهرياً. رغم تكلفة الكفالة المرتفعة لا يزال أبو عبدو يعتبر أنه محظوظ ظناً منه بأن الكفيل قد قدم له خدمة إنسانية، فهو لم يعد مضطراً الى مغادرة لبنان قريباً.

يوجد في لبنان نحو 340 ألف عامل سوري يعملون في قطاع البناء، موزعين على 3400 شركة، 3000 منها تعمل في القطاع الخاص و400 في عقود القطاع العام، وفق نقابة مقاولي الاشغال العامة والبناء، يضاف إليهم آلاف العاملين في القطاعات الأخرى، كقطاع الزراعة، الذي يعتمد في إنتاجه على اليد العاملة السورية.

تعتبر اليد العاملة السورية من أهم موارد الإنتاج في لبنان، وأقلها كلفة مقارنة باليد العاملة المحلية. كما تشكل الخيار الأفضل لأرباب العمل، خصوصاً، المزارعين والمقاولين، نظراً لكثرة انخراط العمال السوريين في هذا النوع من الأعمال. إلا أن إجراءات المديرية العامة للأمن العام، في إطار تنظيم دخول السوريين الى لبنان، أعادت النظر في هذا الخيار، حيث فرضت على أرباب العمل تسوية أوضاع عمالهم، كإنجاز إجازات العمل وتأشيرات الإقامة، إضافة الى تسديد الرسوم المتوجبة عليهم، وإلا سيكون من الصعب إنتقال العمال من سوريا وإليها.

أصدرت المديرية العامة للأمن العام، في 31 كانون الأول 2014، قراراً قضى بوضع معايير جديدة لتنظيم دخول السوريين الى لبنان. قسَمت آنذاك بموجبه السوريين المسموح لهم بدخول الأراضي اللبنانية، وفق شروط معينة، الى ست فئات وهي: سياحة، زيارة عمل، دراسة، سفر، مالك ومستأجر عقار، علاج ومراجعة سفارات. عليه، فإن الفئة المستثناة من القرار، هي الفئة التي تحتاج الى كفالة لبناني بموجب "تعهد بالمسؤولية"، ومن ضمنها العمال، ما يفرض على المؤسسات الموظفة للسوريين في قطاع البناء، ان تقوم بالإستحصال على إجازات عمل من وزارة العمل لجميع العاملين لديها.

تبلغ تكلفة كل عامل سوري، لإصدار بدل إقامة لدى كاتب العدل، وبدل إجازة عمل وضمان، 2000 دولار سنوياً أي ما يعادل 680 مليون دولار عن 340 ألف عامل، بحسب ما قاله عضو مجلس إدارة نقابة المقاولين، عبدو سكرية لـ"المدن". وفق قرار الأمن العام الجديد، يتوجب على أرباب العمل من المقاولين والمتعهدين الكبار دفع هذه التكلفة سنوياً، ما استدعى إعتراضهم لدى وزير العمل سجعان قزي، للبحث في إمكانية الوصول الى تسوية عاجلة لهذا الموضوع، فكانت اللقاءات المتتالية الأسبوع الفائت تحت عنوان "العمالة السورية في قطاع المقاولات وتأثير التدابير الجديدة عليها"، وفق سكرية.  

كما يشير الى أن قيمة أعمال هذه الشركات تبلغ 10 مليارات دولار أي ما يقارب 25 بالمئة من قيمة الموازنة العامة، وبالتالي يعتبر عمل تلك الشركات المحرك الأول للإقتصاد في لبنان. وينطلق سكرية في اعتراض المقاولين من فكرة مفادها أن الجميع يلتزم تطبيق القانون لكن الإجراءات الجديدة تشوبها عيوب عديدة، كتنظيم كيفية إجراء المعاملات، وصعوبة التعهد الشخصي عن أعداد كبيرة من العمال، إضافة الى الأعباء المالية المرتفعة والتي من شأنها أن تنعكس سلباً على أصحاب المصالح وقيمة العقارات معاً. وبالنسبة للمشاريع الملزمة حالياً، كيف ستتم إضافة الكلفة المستجدة؟ يتسائل سكرية.

هذا بالنسبة للمقاولين والمتعهدين الكبار، فماذا عن وضع متعهدي ورش البناء "الصغار" في معظم القرى والمدن؟ يؤكد متعهد في منطقة صور، الخشية من تراجع تدفق العمال السوريين الى لبنان، مؤكداً صعوبة إيجاد البديل محلياً، رغم التكلفة المرتفعة التي أصبح يتقاضاها العمال السوريون في مجال البناء والتي تصل إلى 50 ألف يومياً.

في قطاع الزراعة الحال ليست أفضل، فالكفالة للعامل مطلوبة، وأرباب العمل والعمال يشتكون. يقول أحمد (اسم مستعار، عامل سوري في مجال الزراعة): "أعمل في الزراعة وفي أي شيء أخر، ولم أجد كفيلاً يقوم بكفالتي، لا أدري ماذا سأفعل".

أحمد يجسد واقعاً يعيشه السوريون النازحون اليوم. هي أزمة نضال من أجل البقاء، إلا أن التدابير الجديدة للأمن العام ساهمت في تفاقم هذه الأزمة شيئاً فشيئاً وصولاً الى ارتفاع اعداد العمال "المخالفين". حل الأزمة برأي سكرية يكمن في تطبيق التدابير تدريجاً، كي يصار بعد حين الى تطبيقها كاملة. لكن في الحقيقة، التسوية التي يطمح إليها المقاولون وكبار المتعهدين، تهدف الى التهرب من دفع تكاليف مالية جديدة، وخوفهم الأكبر من إنخفاض تدفق العمالة السورية الى لبنان. ما يفرض عليهم في الحالين تحمل أعباء تكلفة مرتفعة. الأمر الذي استغربه الوزير قزي بقوله: "كيف لمن ينجز مشروعاً بملايين الدولارات أن يتأثر بدفع جزء بسيط منه لتسوية أمور عماله".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها