الثلاثاء 2015/03/03

آخر تحديث: 17:10 (بيروت)

أرباح المصارف من إقراض الدولة تنفي شمّاعة "المخاطر"

الثلاثاء 2015/03/03
increase حجم الخط decrease


تقوم أبسط بديهيات إتخاذ قرار إنشاء مؤسسة أو إطلاق عمل، أو إقراض فرد أو مؤسسة، على دراسة الجدوى الإقتصادية لهذا العمل. ويُقرّ المنطق بأن وجود إحتمال الخسارة، كافٍ لإعادة النظر في أي عملية إقتصادية، وعليه، يُتخذ القرار، إما بالعدول عن العملية كلياً، أو بتغيير بعض المعطيات لضمان الربح. والى جانب البديهيات، يُجمع الرأسماليون على ان الدولة مستثمر فاشل، أو عميل فاشل. ويحدد هؤلاء دور الدولة بتقديم الخدمات وإعداد الأرضية اللازمة للقطاع الخاص ليستثمر ويُنهض الإقتصاد.

ما تقدّم يتغيّر كلياً حين يتم ربط النظرية بالواقع اللبناني. لأن كبار المستثمِرين يمسكون بالإقتصاد الوطني - بشكل رئيسي - عبر المصارف والمؤسسات المالية. والعميل الأبرز لهذه المصارف هو الدولة، أي العميل الفاشل نفسه، وفق منظور المصارف. وقد أكّد رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل، على هذه الصفة بالقول ان "الدولة ليست عميلاً جيداً للأسف، كي نقدّم لها المساعدة والدعم، فهي لا تقوم بالإصلاحات المتوجبة عليها والضرورية للنهوض بالبلد واقتصاده، بما يصبّ في مصلحة الدولة والشعب على السواء".

توصيف الدولة بالعميل الفاشل يتناقض مع تهافت المصارف اللبنانية على إقراض الدولة، والإستفادة من فوائد الدين، خصوصاً أنّ الدولة اللبنانية لا قدرة لها على سداد أصل القروض، فهي تعمل دائماً على سداد الفوائد، مما يضمن سيطرة المصارف على الدولة، والإستفادة من فوائد القروض. وبحسب ما يشير إليه الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي في حديث لـ "المدن"، فإن الدولة هي العميل الأبرز للمصارف، على عكس القطاع الخاص، إذ تعمل المصارف على إقراض "ثلث الودائع للقطاع الخاص، الذي يستعمل تلك القروض في الإستثمار، في حين ان على المصارف إقراض 70% من الودائع لهذا القطاع، لتطوير الإستثمار، الذي يخلق فرص العمل للشباب".

تفضيل المصارف إقراض الدولة للتمتع بفوائد الديون، يجرّ خلفه سلسلة تساؤلات حول جديّة وصف الدولة بالعميل الفاشل، وحول سبب إستمرار تمويل هذا العميل مقابل تراجع تمويل القطاع الخاص الإنتاجي، إلا في حالات ضمان معدلات فوائد عالية على القروض الممنوحة، فضلاً عن التساؤل حول ما يحكى عن تطبيق معايير السلامة، إن على المستوى المحلي أو العالمي، خصوصاً أن المستويين باتا متلازمين نظراً للتأثيرات العامة التي تصيب القطاع المصرفي على الصعيد العالمي، بفعل الأزمات المالية العالمية. فمعايير السلامة المتعددة أصبحت أقرب الى الوهم، وتكذّبها الوقائع التي تؤرشف للتقدم المصرفي يومياً، في لبنان والعالم. وما الإنتكاسات والإنهيارات المالية للمصارف، سوى نتائج لعمليات لا تمت للإستثمارات المنتجة بصلة. إذ تكشف الأزمات المالية للكثير من المصارف، عن إرتباطات بتجارات ومضاربات وتمويل عسكري وسياسي... وغير ذلك، وهي المسؤولة عن تهديد سلامة المصارف، لا العمليات المصرفية التقليدية المرتبطة بالإقراض، مهما كبر حجم الخطر النظري لإقراض المؤسسات والأفراد.


كما ان الإبتعاد عن الشفافية سمة بارزة، تطبقها المؤسسات اللبنانية على مختلف مجالات عملها، من أصغر مؤسسة الى أكبرها، في القطاعين العام والخاص، ولا يمكن ان يكون الأمر خطراً في ظل الحماية السياسية لكل ما يحصل. وهذا الإبتعاد، تستفيد منه المصارف اللبنانية لتوسيع مروحة أعمالها، ومراكمة أرباحها. وبالتالي، فإن التباكي على أطلال الأزمة المالية العالمية التي سببت إنهيار مصارف ومؤسسات مالية، أمر لا يمكن الإعتداد به لحمل مظلومية المصارف والطواف بها، واعتبار ان الأزمة وقعت على خلفية أخطاء في المحاسبة والصدقية والشفافية.. وغير ذلك من التبريرات، كما جاء في ورشة عمل حول "المستجدات الأخيرة في تطبيق المعايير الدولية للتقارير المالية والمعايير ذات الصلة للصناعة المصرفية"، الذي ينظمه إتحاد المصارف العربية، في بيروت. بمعنى آخر، على المصارف إيجاد شماعة أخرى لأن الشماعة المستعملة حالياً بالكاد تصلح لتبرير خسائر الأفراد وصغريات المؤسسات الخاصة.

في المقابل، النظر الى تمدد السوق المصرفية في لبنان، يدل على تطوّر هذه السوق وتعافيها، وليس على تعثرها أو على إمكانية تعثرها. وفي السياق، شهدت السوق المصرفية اليوم الإعلان رسمياً عن إطلاق "سيدروس بنك"، في حفل أقيم في فندق الفور سيزنز في بيروت. والبنك ولد بعد إستحواذ "سيدروس إنفست بنك" على "بنك ستاندرد تشارترد". وأتت هذه العملية "بهدف توسيع المنتجات والخدمات المصرفية على صعيدي التجزئة والشركات"، وقد إرتفع رأس مال المصرف "4 أضعاف بعد الإستحواذ، ليبلغ 60 مليون دولاراً"، وفق ما أعلنه رئيس مجلس إدارة البنك فادي العسيلي. وتجدر الإشارة الى ان رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، يملك 15% من رأسمال البنك، ويشغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة.

خلاصة القول، ان الواقع المعاش لا يشي بأي إمكانية لتعثر في السوق المصرفية اللبنانية، ولا يقدم أي دليل على ان المصارف تتأذى من غياب الشفافية وكشف حركة الأموال أو أي عملية غامضة تلف العمل المصرفي. ولعدم التأثر أسباب كثيرة، يجد المرء أجوبتها لدى البحث في شبكة العلاقات بين المصارف ومهندسي السياسة، وهذه العلاقة، تؤكد ان الدولة عميل ناجح لأصحاب المصالح، وان المؤشرات التي تصنف على انها مخاطر بالنسبة للمصارف والإقتصاد، ليست سوى مكاسب لـ "الكبار".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها