السبت 2015/02/28

آخر تحديث: 08:34 (بيروت)

إصدار "اليوروبوند".. أبعد من تمويل الدولة

السبت 2015/02/28
إصدار "اليوروبوند".. أبعد من تمويل الدولة
الخطورة أنّ الدولة عموماً ووزارة المال خصوصاً لم تجدا سبيلاً للخروج من سياسة الاستدانة (ا ف ب)
increase حجم الخط decrease

أما وقد نجح لبنان في إصدار سندات دين جديدة بالعملة الأجنبية "يوروبوند" بمبلغ 2.2 مليار دولار فإن الحدث يستدعي التوقف عنده لاستخلاص بعض الإشارات المهمة والدلالات البارزة، خصوصاً أن تشريع عملية الإصدار والظروف المحيطة بها يكشفان جوانب إيجابية كثيرة يجب الاستفادة منها، لكنهما يضيئان في مكان آخر على نواحٍ سلبية يبدو حلها متعذّراً في المدى القريب.

ومهما يكن من أمر، فإن الدور الذي لعبته المصارف المحلية، و"المصرف المركزي" يبقى هو الأساس ليس في هذه العملية وحسب بل في ما يتعداها لجهة إعطاء مؤشرات إيجابية للخارج وطمأنة الداخل، من هنا يمكن التوقف عند النقاط الآتية:

أولاً: فاق الاقبال على الاكتتاب كل التوقعات، فالدولة التي أطلقت الطلب بمليار دولار فقط حصلت على عروض للاكتتاب وصلت إلى 4.9 مليار، وهو أمر مثير للإعجاب، ومؤشر على الثقة الثابتة بأدوات الدين السيادي المحلية. كما إن نجاح هذا الاصدار في خضم مرحلة من انعدام التوازن السياسي والاقتصادي والأمني داخلياً، يؤكد بما لا يقبل الشك أن الدولة لا زالت قادرة على تدبير حاجاتها المالية وأن تسيير شؤونها الأساسية لا يخضع لحسابات العرقلة بل يفتح الباب أمام تفاهمات سياسية.

ثانياً: بما أن الدولة استطاعت تدبير حاجاتها النقدية واستبدال ديونها المستحقة، فذلك دليل على أن تسليفها لا يزال جذاباً بالنسبة للمؤسسات المالية على عكس ما هي الحال بالنسبة لسندات الدين اليونانية مثلاً، ما لا يدع مجالاً أمام الوكالات الدولية لأخذ إجراء بخفض التصنيف السيادي اللبناني، ما يساهم أيضاً في الحفاظ على الاستدانة بأسعار فوائد معقولة وبسهولة واضحة. وبالتالي فإن أي خفض للتصنيف في المديين المتوسط أو الطويل يبقى رهن الأخطار الداخلية، والتي تبدو بدورها مستقرة في الأمد المنظور.

ثالثاً: الإقبال المحلي الكبير، والذي ترجم إقبالاً من المصارف اللبنانية للاكتتاب بنسبة 85 في المئة من إجمالي الإصدار، يشير مرة جديدة إلى ضخامة حجم السيولة المتوفرة لدى القطاع المصرفي الباحث عن فرص لتوظيف الودائع التي تناهز 144 مليار دولار، وسط انحسار الإقبال على اقتراض المؤسسات والأفراد. في الوقت ذاته، فإن معدل اكتتاب الجهات الأجنبية الذي بلغ 15 في المئة فقط يُظهر تراجع رغبة الخارج في تمويل الدولة اللبنانية، خصوصاً عند مقارنته بمستوى الاكتتاب الأجنبي في الاصدار السابق والذي ناهز 20 في المئة، وهو مؤشر مرتبط بتصاعد المخاوف الخارجية من غياب عمل الدولة بشكل طبيعي، وخصوصاً لناحية الفراغ الرئاسي الذي طالت مدته، وتعثر العمل الحكومي أيضاً.

رابعاً: إن اكتتاب المصارف المحلية بهذا الكم من الأموال مؤشر جديد على أن القطاع الخاص المحلي يبقى الرافعة للدولة ومصدر الإشارات الإيجابية للخارج مقارنة بالقطاع العام الذي لا تصدر عنه إلا مؤشرات سلبية، وبالتالي يتوجب على الدولة إتخاذ الإجراءات الكفيلة بدعم هذا القطاع وتأمين استمراريته من جهة والاستفادة من التراكمات المالية في مشاريع حيوية عبر شراكة بين الجانبين تتيح للمصارف المتخمة بالودائع توظيف السيولة، وللدولة المحتاجة إنجاز مشاريع أساسية من كهرباء ونقل ومياه واتصالات.

خامساً: كان لافتاً في الإصدار الأخير تمديد أجال استحقاق الدين إلى 10 سنوات و15 سنة، وهذا دليل على أن وزارة المال تأخذ في الحسبان الأوضاع الداخلية المعقدة وتأخذ خطوات استباقية لتطويل آجال هذا الاستحقاق. لكن الخطورة في هذا المجال هي أن الدولة عموماً ووزارة المال خصوصاً لم تجدا سبيلاً للخروج من سياسة الاستدانة واستبدال الديون المتواصلة منذ زمن، وبالتالي فإن ذلك يرسم علامات استفهام على مصير الدين العام، الذي يكبر تدريجاً وقارب حجمه 68 مليار دولار، وعلى كيفية معالجته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها