الأحد 2015/03/29

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

"البالية"... ليست سوق الفقراء وحدهم

الأحد 2015/03/29
"البالية"... ليست سوق الفقراء وحدهم
شراء بضائع "البالية" يتم غالباً من المانيا وهولندا وبلجيكا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يختلف موقف اللبنانيين من "البالية"، اذ يعتبر البعض أن "بريستيجه" لا يسمح له بالتسوق من هذه الأماكن، في حين يخفي بعضهم الآخر حقيقة تسوقه من هذه المحال مخافة تشويه "صورته" أمام اصدقائه. فمروان (اسم مستعار) يخجل من أن يراه أحد "ينكّش" في صناديق الثياب الموزعة في المحل، يجول بينها بخفة وسرعة لاقتناص قطعة "لقطة" من جبال الثياب المكومة عند كل زاوية. حال مروان "الخجول" هي حال الكثير من زبائن "البالية" في لبنان، اذ يتوجه كثر إلى هذه المحال لمحاولة ايجاد قطعة "مميزة" من الملابس أو الاكسسوارات، وللإستفادة من تدني أسعارها.

وقد فرضت سوق "البالية" نفسها بجدارة، منافساً قوياً للبضائع الجديدة، خصوصاً تلك المستوردة من الصين وتركيا. وتتنوع منتجات هذه السوق لتضم الألبسة والأحذية والاكسسوارات الملحقة بها، إضافة إلى توسعها لتطال الأثاث والالعاب والسجاد في بعض الحالات. وترتكز السوق اساساً على بيع الثياب المستعملة، الا أنها لا تقف عندها، اذ لجأ العديد من التجار إلى الشركات العالمية لشراء "الستوكات" والبضائع المرتجعة التي تكدست في المستودعات، ليتم شحنها إلى لبنان وفرزها وبيعها من جديد. هذه البضائع التي غالباً ما تكون أوروبية المصدر، تتميز بكونها تفتقر إلى "التشكيلة الواسعة" من المقاسات و"الموديلات"، فتاجر "البالية" كما الزبائن، لا يستطيعون الانتقاء بحرية بين التشكيلات كما هي الحال في محلات الألبسة العادية.

وفي السياق، أكد أحد أصحاب محلات "البالية"، زكي طه، ان "شراء البضائع يتم غالباً من المانيا وهولندا وبلجيكا، اذ تعد هذه البلدان المصادر الرئيسة للثياب والأزياء المستعملة"، وأشار خلال حديث لـ "المدن"، إلى أن "سوق الستوكات التي بدأت تشهد نمواً مضطرداً في الآونة الأخيرة، هددت سوق البالية التقليدية، خصوصاً لكون اسعارها في بعض الحالات اقل من أسعار البالية". ويضيف طه: "عموماً يتم التسعير وفقاً للوزن والنوعية، لتفرز البضاعة بعدها وتوزع بين ملابس رجالية ونسائية وملابس أطفال، بهدف تسهيل البحث ومعرفة الموجودات، وتباع بعدها بالقطعة. ويراعي التاجر في تسعيره لكل قطعة، نسبة هدر بعض القطع، اذ يمكن لقطع كثيرة ان تبقى في المحل ولا تباع، وتقدر نسبة الهدر بـ 30%، لكن القطع التي لا تباع في المحل، تذهب الى الأسواق الأكثر شعبية، اذ يشتري تجار سوق الأحد والأسواق المشابهة هذه الملابس، وقد يباع بعضها بألف ليرة".

وإضافة الى الأسواق الأوروبية، "يلجأ كبار التجار إلى أسواق الولايات المتحدة وكندا خصوصاً بعد انتهاء فترات الحسومات هناك، لشراء كمية من البضائع التي تكدست في المستودعات، والتي هي غالباً من المرتجعات والستوكات والبضائع التي تحمل أخطاءً في صناعاتها"، بهدف بيعها مجدداً في الأسواق اللبنانية بوصفها "ملابس جديدة"، وفق طه.

الخيارات المتعددة التي تقدّمها أسواق "البالية"، تجذب الزبائن، حتى من ذوي الدخل المتوسط، فأم رضوان زوجة موظف حكومي يكفل له راتبه مستوى معيشة جيد، ومع ذلك، لا تتأخر أم رضوان عن البحث في "البالية" عن ملابس مناسبة لها، ولأولادها الثلاثة. فالأمر "لا يرتبط بعدم توفر المال لشراء ملابس جديدة، فالتوفير جزء أساسي، إلا انه ليس دافعي الوحيد للشراء من البالية. ففي أسواق البالية أجد أحياناً ما لا أجده في أسواق الملابس الجديدة، لناحية الموديلات والمقاسات". وتشير أم رضوان إلى أنّ "كلمة بالية تخيف البعض، وتجعل البعض الآخر يشعر بالحرج، علماً انني ألتقي بأشخاص يملكون المال الكثير، وأحياناً يرسلون من يشتري لهم الملابس أو الأحذية، لأنهم يعرفون بأن ما يمكن إيجاده في هذه الأسواق، يندر وجوده في أسواق فخمة". وعن الأسعار تشير أم رضوان الى ان "الأسعار خيالية، وتبدأ من 1000 ليرة، اذ يمكنك ان تجد قميصاً بهذا السعر، وبنوعيته جيدة. وفي أسوأ الأحوال يكون في القميص "ديفو" كعدم وجود مكان مفتوح للأزرار، وبكل بساطة يمكن اصلاح ذلك بـ 1000 ليرة أخرى عند الخياط، فتحصل على قميص بـ 2000 ليرة". وترفع أم رضوان نبرة صوتها قائلة: "خليك تلبس القميص شهر وتكبّو... قليلة قميص على شهر بـ 2000 ليرة؟".


من جهة أخرى، بات على "البالية" ان تواكب التطور، ومن يتخلف عن ذلك، يخسر. فالبعض أنشأ صفحات إعلانية على موقع "فايسبوك"، يعرض فيها منتوجاته ويقبل حجوزات الزبائن. ومن هذه المجموعات على سبيل المثال "باي اند سيل ان ليبانون" (buy and sell in lebanon) والتي تضم ما يزيد عن 70 ألف مشترك يتبادلون المنتجات بصورة يومية، مستعينين بالصور وتقنيات حديثة للترويج. ويقول غسان الذي اشترى مؤخراً ملابس وأزياء من هذه المجموعة أنها تشكل حلاً أسرع وأكثر عملانية من الذهاب شخصياً الى محلات البالية، ففي الأخيرة يضيع الوقت نظراً لصعوبة البحث في أكوام الملابس لإنتقاء ما يناسب".
ومع ان التطور التكنولوجي يسهّل على الزبائن عملية الشراء، الا ان للتماس المباشر مع القطع المعروضة "نكهته الخاصة"، بحسب ما تؤكده أم رضوان، "فالتواجد داخل المحل ولمس القطعة باليد يتيح للزبون الإختيار بحرية أكبر وتفحّص القطعة بشكل أفضل".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها