الخميس 2014/11/27

آخر تحديث: 17:54 (بيروت)

"حب الظهور" يتحكم بالاختصاصات الجامعية.. وسوق العمل

الخميس 2014/11/27
"حب الظهور" يتحكم بالاختصاصات الجامعية.. وسوق العمل
غالبية إختصاصات الطلاب لا تلائم احتياجات سوق العمل (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

ما زال اختيار الإختصاص الجامعي عند طلاب شهادة الثانوية العامة، أمراً محيراً. ولا يمكن لهؤلاء الطلاب المواءمة بين ما يحلمون به وما يمكن تحقيقه على أرض الواقع، وإذا أمكن ذلك بالنسبة للبعض، بحسب الإمكانيات المادية، إلا ان الغالبية يجدون صعوبة في تلبية طموحاتهم في هذا المجال. وعدم تمكن كثير من الطلاب من دراسة ما يريدون، يدفعهم الى التوجه نحو إختصاصات محددة بطريقة إرتجالية، من دون تفكير مسبق، وذلك وفق ما يريده الأهل، أو ما يتفق عليه الطلاب كمجموعة أصدقاء.

الإتجاه نحو تخصص ما، من دون وجود تخطيط مسبق يؤدي غالباً إلى مزاحمة في إختصاص محدد، تظهر عواقبها عند التخرج من خلال الفرق بين متطلبات سوق العمل وعدد المتخرجين، الأمر الذي يدفع بالكثير من الطلاب الى الدخول ضمن أعداد العاطلين من العمل، أو ضمن معدلات البطالة المقنعة، وفي أحسن الأحوال، يضطر هؤلاء الى العمل في مجالات غير مجالات اختصاصهم.


"إهمال الدولة اللبنانية، التي تغيّب الدراسات المنهجية لإحتياجات سوق العمل في لبنان"، هو العنوان الأبرز الذي ينطلق منه نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض، ليقارب مسألة الفجوة بين التعليم وسوق العمل. محفوض، وفي حديث لـ "المدن"، القى باللائمة على الجامعات، ولا سيما الخاصة منها، التي تهدف إلى الربح. "حيث تفتتح أقسام لإختصاصات لا يحتاجها السوق بحجة أنها جديدة". وعلى سبيل المثال، "يوجد في لبنان اكتفاء في عدد الأطباء، الا أن الجامعات تستقبل أعداداً كبيرة من الطلاب الراغبين بدراسة الطب، بدل توجيههم الى اختصاصات أخرى". وتساءل محفوض في المقابل، عن الجامعات والكليات التي تستقبل طلاب في المجالات الأدبية كالفسلفة والاجتماع والتاريخ، من دون وجود حاجة لهذه الإختصاصات أو توافر فرص عمل لدارسيها.

ولأن تحديد الخيارات بالنسبة للطلاب قد يصعب أحياناً، تقوم الجامعات والمدارس بإعداد لقاءات لتعريف الطلاب على الإختصاصات الجامعية، وعلى مجالات العمل في كل إختصاص. ويندرج المعرض الذي نظمته جمعية "المركز الإسلامي للتوجيه والتعليم العالي"، اليوم الخميس، في قصر الأونيسكو، ضمن هذا الإطار. والمعرض الذي حمل عنوان "مهنة بالاتجاه الصحيح"، يسلط الضوء على ما يمكن للطلاب اختياره من مجالات التعليم، ليتحول لاحقاً الى مهنة مفيدة للطالب ولسوق العمل على السواء.

الجامعات الـ 26 التي شاركت في المعرض أطلعت الطلاب على الاختصاصات الجامعية المتوفرة في لبنان، وعلى الجامعات الموجودة وأسعارها والسنوات المطلوبة لإنهاء كل اختصاص... وفي المقابل، تستفيد الجامعات الخاصة من إبراز نفسها والترويج لإختصاصاتها، حيث يقول الأستاذ في جامعة البلمند ريمون الحاج لـ "المدن"، أن "الجامعات الخاصة تهدف الى المشاركة في هذا المعرض نظراً للعدد الكبير الذي يمكن ان تستقطبه من بين الطلاب، لذا نعمل للتحضير لمثل هذه المعارض قبل أيام".

أكثر الطلاب المشاركين في هذا المعرض يسألون عن اختصاصات الطب والهندسة، مما يعطي فكرة عن الإتجاه الأولي لتفكير أكثرية الطلاب في لبنان. لكن ماذا عن الإختصاصات الأخرى؟ الجواب يكمن في مراقبة السائد في المجتمع، وأغلب هذا السائد يتحدد بحسب الـ "فورات"، إذ تارةً تشهد الجامعات "فورة" في الإقبال على اختصاص إدارة الأعمال، على سبيل المثال، وتارة أخرى تشهد إقبالاً على الهندسة الداخلية، وكل ذلك لا يتحدد وفق أي معطى علمي.

الإتجاه الى تبني اختصاصات الطب والهندسة او المحاماة غالباً، ما يكون مدفوعا بـ"حب الظهور، ويستفيد منه الأهل أيضاً من خلال التباهي بأن ابنهم طبيب أو ابنتهم مهندسة"، وفق ما تقوله الأستاذة في "الجامعة اللبنانية" حليمة قعقور، لـ "المدن".
وتؤكد قعقور أن هذا التفكير "يبعد الطلاب عن تحديد الإختصاصات الملائمة لهم بحسب سوق العمل، فعلى سبيل المثال، هناك حاجة للتقنيين في سوق العمل اللبناني، أي لخريجي المعاهد والجامعات التقنية والفنية، مقابل طفرة في الإختصاصات الأكاديمية. وهذا يعود الى العقلية السائدة في المجتمع، والتي ترى بأن التوجه التقني يعني الفشل، والتوجه الأكاديمي يعني النجاح. بينما التوجه التقني في دول أوروبا، يحوز على نسبة طلاب عالية".
تضيف قعقور، ان الفائض في عدد المتخرجين العاطلين من العمل، يعود ايضاً "لكثرة الجامعات والمعاهد التي تفتح ابوابها من دون تلبية معايير الدراسة المطلوبة، فكم من جامعة تفتتح من دون مراقبة ما إذا كان فيها مختبرات معينة وضرورية، مثلا. وهذا يساهم في تخريج طلاب يظنون بأن لديهم الكفاءة، لكن العكس هو الصحيح، فيصابون بالإحباط ويدخلون في البطالة". وهذه الصورة تنعكس سلباً على "معدلات التنمية والبطالة، والإقتصاد عموماً".

"الفورات" والإرتجال في تحديد الإختصاصات، ساهما في التأثير على سوق العمل. فسوق العمل، كما أوضح الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي لـ "المدن"، "تتقلّص يوما بعد يوم. فالقطاع الخاص يعاني من ضعف شديد في الاستثمار، والمؤسسات التجارية القائمة تشهد إقفالاً بعد إفلاسها. وهذان العنصران يجعلان سوق العمل تتقلّص أكثر". وعليه، تصبح السوق غير قادرة على إستقبال طالبي العمل الجدد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها