الإثنين 2018/04/09

آخر تحديث: 11:01 (بيروت)

باريس وبروكسل..نعبث ونذعن!

الإثنين 2018/04/09
باريس وبروكسل..نعبث ونذعن!
حكومتنا مطالبة بموقف سياسي داخلي من قضية النازحين (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

نحو 10.3 مليارات دولار اميركي التعهدات المالية التي حصل عليها لبنان من مؤتمر سيدر1 في باريس. البيان الختامي للمؤتمر والمواقف التي أعلنها البلد المضيف بلسان الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير اوروبا والشؤون الخارجية في فرنسا جان ايف لو دريان، جاءت اعلاناً صريحاً بأن لبنان أسلم أمره في الكامل للأزمات الاقليمية وامتداداتها الدولية. بدا ذلك في مؤتمر روما لدعم الجيش والقوى الأمنية. تم التأكيد عليه في مؤتمر باريس للدعم المالي والاقتصادي. وسيستكمل في مؤتمر بروكسل لبحث قضية النازحين السوريين في 24 نيسان الجاري.

من مؤتمر سيدر1 لم نحصل لا على قروض ولا على هبات محققة. حصلنا على تعهدات دولية وعربية منسقة، في مقابل تعهدات لبنانية بتنفيذ لائحة من الاصلاحات. تنفذون ما تعهدتموه، ننفذ ما تعهدناه. هذا هو المختصر المفيد. ولائحة الاصلاحات المطلوبة لبنانياً، ترتقي إلى شروط تأسيس دولة أكثر منها هنات هينات تتوجب ازالتها، ومواطن ضعف بنيوي تستلزم تقويتها. الاصلاحات المطلوبة ليست هيكلية فحسب بل وقطاعية أيضاً وبالتفصيل. أي أنها لا تتوقف عند خفض العجز إلى 5% من الناتج المحلي، والتقيد بالموازنة، واصلاح النظام الضريبي والجمارك وغير ذلك. بل تشمل كل قطاعات الخِدمات: الكهرباء، المياه، النقل، الصحة، النفايات، القضايا الاجتماعية وخلافها. بالاضافة إلى وضع حد للفساد في الادارة العامة، واعتماد النزاهة، ومدونة السلوك الحسن والشفافية. وكلها شؤون سيادية داخلية.

وفي السياسة والأمن، تأكيد سلطة الدولة وسلاحها الشرعي على اراضيها. وتذكير بالتزام القرارات الدولية. وتطبيق فعلي لسياسة النأي بالنفس. وتأليف لجنة متابعة من مرجعيات المؤتمر لضمان التنفيذ. ولجان أخريات لدرس جدوى المشاريع المفترض تمويلها من التعهدات. وصولاً إلى ضمان نزاهة الانتخابات النيابية ووجوب سير الحكومة التي ستنبثق عنها بقرارات المؤتمر والتصديق عليها في مجلس النواب الجديد. وكل ذلك شؤون سيادية، لمن يريد أن يقرأ ويفهم ويستخلص دروساً عبراً مما أُعلن من قرارات مؤتمر باريس. ما خفي من نقاشات في جلسات المؤتمر السرية بعيداً من الإعلام أكثر بكثير. نحن نقلنا محافظ اقتصادنا ومالنا وسلوكنا وسياستنا وأمننا واجتماعنا وبيئتنا إلى الخارج. ويطلب الخارج إلينا أن ننفذ تحت طائلة حجب تعهدات القروض والهبات التي تقررت في باريس. ونعده بأننا سنذعن. فغير ذلك الانهيار. ونسمع من السخف بعد، أن تعهدات مؤتمر باريس "غير مشروطة أبداً" سوى بما سلف من شروط! نكتب ذلك فقط لتوضيح أبعاد تعهدات مؤتمر باريس، وعمق الأزمة التي وصلت إليها البلاد.

لذلك، من السابق لأوانه الحديث عن ارتفاع الدين العام إلى فوق 175% إلى الناتج المحلي نتيجة التعهدات. الأخيرة لا تسري مفاعيلها إلاّ بعد تحققها فعلاً. ومعرفة توزع آجالها والفوائد عليها. وفترات السماح وضمانات فوائد القروض. وكل ذلك لم يتوضح بعد. وظيفة الحكومة القيام بذلك تفصيلاً لتبيان الحقائق للرأي العام. وظيفتها أيضاً أن تفعل ما لم تفعله وهو رؤية البرنامج الاقتصادية. وقد كتبنا ذلك في هذه الزاوية حين اعداد البرنامج الاستثماري.

الرؤية ضرورة تبنى عليها توقعات قيمة البرنامج المضافة في الاقتصاد وفرص العمل للبنانيين. والمدخلات المأمولة من الانتاج المحلي في البرنامج ومشاريع اعمار البنية التحتية. وأثر القروض والهبات على التدفقات النقدية الصافية لتحسين الحساب الجاري وخفض العجز في ميزان المدفوعات. والعمر التقني للبنية التحتية الجديدة، وترقبات سنوات استهلاكها وخلاف ذلك. المؤسسات الدولية التي تعهدت قروضاً ميسرة كالمصرف الاوروبي للاستثمار، والمصرف الاوروبي للاعمار والتنمية، ووكالات التنمية العائدة إلى الدول الاوروبية، تؤثر أن تلتزم شركاتها جزءاً من مشاريع الاعمار الممولة منها أو من دولها. هذه أولوية لدى الاتحاد الاوروبي الذي تعهد تقديم 150 مليون يورو هبات لدعم فوائد القروض. مع وعد بدرس كل مشروع على حدة لمعرفة جدواه وأهميته. وفي هذه الحال على ما أعلن قد يسهم في تمويل مشاريع بقروض طويلة الأجل تصل إلى نحو مليار و500 مليون يورو. الأمر الذي يعتبر الحصة الأكبر من مؤتمر باريس. هل ننتظر من دول مؤتمر باريس والمؤسسات الدولية شرح الرؤية وجدوى البرنامج الاستثماري بدلاً من الحكومة؟ يبدو الامر كذلك.

ثمة تساؤل آخر. هل ستعتبر قرارات سيدر1 جزءاً من قرارات مؤتمر بروكسل، أو سلفة على المساعدات التي يفترض أن يحصل عليها لبنان لمواجهة أعباء النزوح؟ نلمس ذلك بوضوح من مسؤولين اوروبيين. لو دريان أوحى بذلك حين وصف مؤتمر باريس بأنه "يشكّل حلقة من ضمن مجموعة من المؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان، بدأت مع مؤتمر روما في آذار الماضي لدعم الجيش والقوى الأمنية، وستستكمل في 24 نيسان بمؤتمر بروكسل للاجئين. وهي المؤتمرات التي تمّ الاتفاق عليها خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس في كانون الأول الماضي، حيث أعرب لبنان عن التزامه سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل بالصراعات الاقليمية، والتزام مبدأ حصرية السلاح تطبيقاً لقرار مجلس الأمن 1701".

حكومتنا مطالبة بموقف سياسي داخلي من قضية النازحين لعرضه في بروكسل. ويقوم على عودتهم إلى سوريا تدرجاً وفقا لجدول زمني واضح. فالأمر بات متاحاً هناك لوقف معاناتهم عندنا والحد من أعبائهم لدينا. والتأكيد على الفصل بين تمويل البنية التحتية طويل الأجل، وبين المساعدات الغوثية للنازحين قصيرة الأجل. في صرف النظر عن أثر النزوح على البنية التحتية. لبنان هو الطرف الأضعف في هذه القضية. ودونها شعاب سياسية محلية معقدة على ارتباط وثيق بالحرب في سوريا. وشأن اقليمي ودولي بامتياز يخضع لاعتبارات جيوسياسية للدول المعنية بتلك الحرب ولمصالحها. بالغاً ما بلغت المساعدات الدولية للبنان للتخفيف من أعباء النزوح لن تعوض 18 مليار دولار اميركي خسارة تكبدها لبنان حتى سنة 2015 على ما أبلغ الى مؤتمر باريس رئيس الحكومة الحكومة سعد الحريري. الكلام على أهميته صالح لمؤتمر بروكسل أكثر من صلاحه لمؤتمر باريس. كي لا تُفهم تعهدات باريس تمويلاً طويل الأجل لاقامة النازحين بلا خواتيم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها