الثلاثاء 2018/04/03

آخر تحديث: 08:49 (بيروت)

أزمة القروض المدعومة: مخاطر ماليّة واجتماعيّة

الثلاثاء 2018/04/03
أزمة القروض المدعومة: مخاطر ماليّة واجتماعيّة
أزمة منظومة قائمة منذ زمن (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease

أجّج توقّف المصارف عن منح القروض المدعومة الحديث عن التداعيات المقبلة على مختلف المستويات، خصوصاً أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أكّد في أكثر من مناسبة أنّ رزمة دعم 2018 التي استهلكتها المصارف كانت آخر رزمة سيمنحها الحاكم هذا العام. ما يعني استمرار الأزمة حتّى مطلع العام المقبل، في حال لم يطرأ أي تعديل على قرار الحاكم.

ترقّب للتداعيات
يعاني القطاع العقاري منذ العام 2011 من ركود قاسٍ، إذ أدّت أزمة القطاع إلى انخفاض أسعار العرض في معظم المناطق. وبينما يصر بعض التجّار على إبقاء مستويات الأسعار مرتفعة، يظهر الانخفاض لاحقاً بشكل أوضح على شكل حسومات بعد عمليّات التفاوض مع المشترين. وفي حين تعاني سوق الشقق الكبيرة من جمود كلّي، كان يراهن معظم تجّار البناء على رزم دعم القروض السكنيّة من مصرف لبنان لتصريف جزء من الشقق الصغيرة ومتوسّطة الحجم.

هنا، أتى توقّف القروض المدعومة ليصيب القطاع العقاري بأكبر صدمة منذ دخولة الركود الحالي. إذ يشير مصدر مطّلع في السوق العقارية إلى شبه جمود في عمليّات البيع والشراء في سوق الشقق الصغيرة والمتوسّطة بعد هذه التطوّرات، خصوصاً أنّ عمليّات الشراء في هذه السوق تحديداً كانت تعتمد على القروض السكنيّة المدعومة بشكل أساسي. وإذا أخذنا بالاعتبار جمود سوق الشقق الكبيرة منذ بداية الركود العقاري، يمكن تصوّر الأزمة الأكبر التي يقبل عليها القطاع.

ورغم الهبوط الحالي في أسعار السوق العقارية، يؤكّد المصدر أنّ هذا الهبوط لا يشكّل أسوأ مستويات ممكنة في أسعار السوق حتّى الآن. ما يعني أنّ القطاع قد يقبل في المرحلة المقبلة على ظروف أقسى. ففي السابق أدّى وجود لاعبين كبار إلى التمكّن من المحافظة على أسعار العرض من 2011 عند مستويات مقبولة، بينما كان التجّار يساومون عند تقديم الحسومات. أمّا الآن، فيبدو هامش المناورة أضيق مع بلوغ السوق هذه المرحلة من الجمود.

مخاطر ماليّة واجتماعيّة
تشكّل احتمالات حصول إنهيارات أكبر في أسعار السوق العقارية خطراً فعليّاً على بنية القطاع المصرفي والمالي في لبنان. وهذا ما أشار إليه صندوق النقد الدولي في تقرير "تقييم القطاع المالي في لبنان"، حين تحدّث عن تركّز أكثر من 90% من القروض الممنوحة للقطاع الخاص اللبناني في قروض مرتبطة بالسوق العقارية سواء أكان بشكل مباشر عبر القروض السكنيّة والقروض الممنوحة للمطوّرين العقاريين، أم بشكل غير مباشر عبر القروض الممنوحة مقابل رهونات عقاريّة. وتكمن المخاطر المصرفيّة تحديداً في إمكانيّة انخفاض قيمة الضمانات العقاريّة إلى ما دون قيمة القروض. ما يرفع مخاطر عدم السداد من جهة، ويرفع المخاطر في حال عدم الإيفاء من ناحية أخرى.

وتبدو المشكلة أعمق حين نتذكّر أن نمو القطاع المصرفي وموجوداته يشكّل أكبر مصادر تمويل العجز في الميزانيّة العامّة من خلال الدين العام. وهو ما يعني ارتباط مخاطر إنهيار السوق العقارية أيضاً بمصادر تمويل الدولة. وهذا ما أشار إلىيه تقرير صندوق النقد نفسه حين تحدّث عن توظيف 68% من موجودات المصارف في سندات الدين الحكوميّة والموجودات في مصرف لبنان.

أما المخاطر الاجتماعيّة فتبدو أوضح. إذ عمد مصرف لبنان طوال الفترة الماضية إلى الاعتماد على رزم الدعم لتعزيز الطفرة في السوق العقارية وإرتفاع الأسعار فيها. ما أدّى إلى بنية أسعار في السوق لا تسمح للمواطن بشراء المسكن إلا من خلال هذه القروض المدعومة. هذه الوضعية تعني "إدمان" السوق العقارية رزم الدعم هذه، وتعني أيضاً مشاكل اجتماعيّة آتية في ظل عدم قدرة فئات واسعة على شراء المساكن من دون رزم الدعم للقروض السكنيّة.

أزمة النموذج
الأزمة التي تواجهها السوق العقاري ليست سوى رأس هرم الجليد البارز من تحت الماء، ليعكس وجود خلل في طبيعة النموذج الذي يقوم عليه الإقتصاد اللبناني، والذي يواجه منذ 2011 أزمات تهدد استمراريّته. في الواقع، أزمة القروض المدعومة ليست سوى إحدى نتائج هذه الأزمات.

فمنذ انتهاء الحرب اعتمد النموذج الاقتصادي اللبناني على منظومة مصرفيّة متضخّمة، تستفيد من فوائض ميزان المدفوعات (صافي المبادلات الماليّة بين لبنان والخارج) لتحقيق معدّلات نمو كبيرة في الودائع. كانت المصارف تعتمد على هذه الفوائض والتحويلات لتمويل توظيفاتها التي تركّزت في مكانين: طفرة السوق العقارية والدين العام اللبناني. كان كل شيء يسير على ما يرام، مصارف تتضخّم، قطاع عقاري ينمو، ودين عام يكبر مستفيداً من قدرة المصارف على تمويله.

في العام 2011، دخل لبنان في عجز مستدام في ميزان المدفوعات، وهو ما عنى وجود تهديد فعلي لهذه الصيغة القائمة منذ عشرات السنين. تمكّن مصرف لبنان، ولسنة واحدة فقط، من تجاوز هذا العجز في 2016، من خلال الهندسات الماليّة التي وجّه إليها عددٌ كبيرٌ من الخبراء انتقادات لاذعة لكلفتها الكبيرة والأرباح المجانيّة الضخمة التي حققتها المصارف من خلالها. لكنّ العجز في ميزان المدفوعات عاد في العام 2017، كما أنّ نمو ودائع المصارف في هذه السنة بالكاد بلغ 3.8%. وهي نسبة لا تتخطّى نسبة الفوائد الممنوحة للودائع.

اجراءات مصرف لبنان، سواء أكان عبر الهندسات أم غيرها من الاجراءات الشبيهة التي قام بها لاحقاً، لم تعالج الأزمة، لكنّها خلقت أزمات أخرى. فالاجراءات اعتمدت على امتصاص الدولار الأميركي مقابل ضخ السيولة بالليرة اللبنانيّة (توازي ثلث الناتج المحلّي بحسب صندوق النقد)، وهو ما خلق ضغطاً على قيمة العملة المحليّة في السوق.

هنا، أصبح مصرف لبنان بين المطرقة والسندان: فمتابعة الدعم للقروض بالليرة سيعني مزيداً من ضخ السيولة بالعملة المحليّة، بالتالي مزيداً من الكلفة لتثبيت قيمتها. أمّا طرق الدعم عبر القروض الميسّرة بالدولار فستعني العمل بعكس اتجاه الاجراءات والهندسات التي هدفت إلى امتصاص السيولة بالعملة الصعبة.

باختصار، هي أزمة منظومة قائمة منذ زمن، وبينما يسعى مصرف لبنان منذ سنوات إلى احتواء الأزمة بطرق مختلفة ومكلفة، لا يبدو أنّ هناك اتجاهاً لإيجاد معالجات جذريّة للأزمة عبر معالجة مشكلة النموذج القائم. أما الجزء المتعلّق بالعقارات من هذه المعالجات، فلا بد أن يمر بتصحيح أسعار السوق العقارية بشكل تدريجي وصحي، بما يبعده عن إدمان رزم الدعم وزيادة مديونيّة الأسر لتمكينها من تأمين المسكن، وبما يخفّف ترابط المخاطر بين القطاع المصرفي والسوق العقارية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها