الإثنين 2018/04/23

آخر تحديث: 01:40 (بيروت)

الملف المريب إلى بروكسل

الإثنين 2018/04/23
الملف المريب إلى بروكسل
لبنان يطلب الشيء وضده في شأن النازحين (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

نتوجه من جديد إلى بروكسل في غضون سنتين لمناقشة أزمة النازحين السوريين بعد مؤتمر مماثل عقد في 2017. سبقهما مؤتمر لندن في 2016. ومع أن ما التبس في انعقاد مؤتمر سيدر1 في باريس قبل أسابيع من انتخابات نيابية تعقبها حكومة جديدة يتكرر الآن في بروكسل، دعونا نؤكد مسألتين نخالهما بمقدار من الأهمية. أما الأولى، فتعهدات الدول الخارجية تبقى التزامات دولة في صرف النظر عن حكومة تاتي وأخرى ترحل. أن تبقى هذه الصورة عن لبنان الدولة في حسابات دول كبيرة مقررة كالدول المانحة، أمر يُحفظ لها ويقدّر. رغم الهشاشة التي بلغها الاطار المؤسسي عندنا لمفهوم الدولة. وأما الثانية، فتداعيات أزمة النازحين السوريين الثقيلة على الدول المضيفة وخصوصاً على لبنان، تستدعي عدم استئخار معالجتها واحتوائها. وللدول المانحة في الأزمة حسابات مهجرين ومهاجرين إليها واعتبارات، نفذت إلى نسيجها الداخلي وباتت مسألة خلافية سياسية وشعبوية، وأساساً تبنى عليه خريطة السياسة الداخلية والسياسات الحكومية. وربما بين المسألتين ثالثة غير حميدة. كأن تعتقد الدول المعنية بمؤتمر بروكسل، أن ما أفسدته دهور النظام اللبناني وسدنته، لن تصلحه انتخابات نيابية جديدة وحكومة تنبثق عنها، طالما الديموقراطية في أسر النظام الطائفي والمذهبي. ولا فائدة ترتجى من انتخابات وحكومة وواقع الحال مقيم. السؤال، ما جديدنا في مؤتمر بروكسل هذه المرة؟

لو حاولنا تركيب البازل السياسي الاقتصادي والاجتماعي لتداعيات أزمة النازحين السوريين على لبنان، لتشكل مشهد قاتم ونتائج بالغة السؤ بكل المعاني. وقد باتت معروفة جيداً ونعيشها واقعاً يومياً. وفي حسابات الأرقام أصفار في خانة اليمين وأعباء تصفها الدول المانحة نفسها والمؤسسات الدولية أكبر من أن يتحملها بلد بقدرات لبنان واقتصاده، وتعداد سكانه وضيق مساحته الجغرافية. وبعض تلك الدول والمؤسسات يبدي العجب كيف يمكن للبنان جبه تلك الأعباء مجتمعة.

مع ذلك، فنحن ذاهبون إلى بروكسل وكأن تداعيات الملف هي نفسه في اليوم الأول على اندلاع الأزمة السورية في 2011. الساحة السياسية خلوٌ من هذه القضية. لا جلسة حكومية لاعداد ورقة عمل سياسية حكومية. ولا جلسة نيابية. ولا مواقف لأحزاب وقوى سياسية. الكل في مكيدة جمهورية الانتخابات الفاضلة. فقط في مؤتمر سيدر1 أبلغ رئيس الحكومة سعد الحريري المشاركين فيه، أن تكلفة النزوح والحرب في سوريا على لبنان بلغت نحو 18 مليار دولار اميركي. وكان ذلك لاستدرار ما أمكن من قروض ميسرة ومساعدات.

"لا توطين للنازحين في لبنان". هذا الشعار متروك ليعمل من تلقائه. كيف نؤثر فيه، وموقفنا السياسي الرسمي مسألة من اختصاص الخارج. لو حصلنا على ما نطلب من مساعدات مالية لتمويل أعباء النزوح، والنذر اليسير للبنان في مقابل الأعباء المالية والاقتصادية التي ترتبت عليه وتترتب على شبكة الخدمات المتهالكة والبنية التحتية، لاكتفينا ولحققنا من المؤتمر وطراً! مستشار لرئيس الحكومة قال في حديث لجريدة "الشرق الأوسط" إن الوفد اللبناني (إلى مؤتمر يروكسل) "سيطالب الدول المانحة بأن تُبقي ملف النزوح السوري في سلم أولوياتها. وأن تكون التزاماتها لسنوات عدة وغير مقتصرة على سنة واحدة. علماً أن برنامج الاستجابة لأزمة النازحين يلحظ نحو 3 مليارات دولار اميركي مساعدات للنازحين المتواجدين في لبنان". عن عودة النازحين قال: "الموضوع مطروح بشكل دائم. لكن هناك اتفاقاً على أن الظروف الحالية غير مواتية لاتمام هذه العودة. ولبنان يربط العودة بدور فاعل للأمم المتحدة. ولعلّ الحل السياسي للأزمة السورية، يشكل أفضل وأسرع طريقة لتحقيقه".

لماذا لا يطرح لبنان في بروكسل عودة النازحين جزءاً من الحل السياسي في سوريا بدلاً من الاكتفاء بطلب مساعدات؟ ولا نعرف منها سوى أنها أقل من المطلوب. وليست كافية لرفع الجور والمهانة عن النازح السوري في لبنان. أن نطلب المساعدات لسنوات مقبلة، يعني أننا موافقون ضمناً على بقاء النازحين لسنوات مقبلة. وأننا نطلب فعلاً الشيء وضده في وقت واحد. هذا لغط لم نبرحه في كل المؤتمرات التي عقدت لمعالجة الأزمة. ونقول في المقابل لا بد من عودة آمنة وطوعية. متى وكيف، ومن يعود ومن يبقى؟ العودة الآمنة ليست في يدنا بل في يد النظام السوري والنازحين أنفسهم. من يخاف بطش النظام وتهديد أمنه وحياته لن يعود مهما كانت الأسباب والحوافز. لو ضغط لبنان في هذا الاتجاه لصنف بحق معادياً لحقوق الإنسان. وبات من حق الدول المانحة تقليص المساعدات وعدم الإيفاء بالتعهدات. هناك تضارب بين العودة الآمنة والطوعية ربما داخل الأسرة الواحدة. من يعود آمناً مطواعاً ومن لا يعود؟

يفترض إسقاط شرط الطوع عن الآمن ليعود بارادته. لكن لو وجد ضالته من عمل متاح في لبنان وغير متاح في سوريا لاختار عدم العودة. وربما تعود أسرته ويبقى من يعيلها في لبنان. هذا نزوح اقتصادي. ونحن نفتقر إلى تصنيف للنازحين. بين نازح سياسي وإنساني واقتصادي. والغريب ألاّ تعير وكالات الأمم المتحدة والدول المانحة اهتماماً لهذا التصنيف. لكون المساعدات ستبقى للنازحين لأسباب إنسانية بعد العودة إلى سوريا. فالنظام هناك المسؤول عن التهجير والقتل والدمار لم يترك لكثيرين منهم منازل للمأوى وفرص عمل. لكن الوقائع على الأرض تغيرت وتمكن فلاديمير بوتين من تثبيت مناطق آمنة كثيرة لعودة النازحين. إلاّ إذا كان النظام يعتبر كل الذين هجرهم لا علاقة لهم بـ"بسوريا الأسد" وليس مستعجلاً عودتهم.

لا مساس بحقوق النازح إنسانياً. غيره تحكمه قوانين وتتصل بلبنان واللبنانيين وحقوقهم بفرص العمل والأمان. هناك تراخٍ مريب في مقاربة الملف بأكمله. ومفتوح على احتمالات الخبيء منها أكبر مما في المشهد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها