الأربعاء 2018/02/28

آخر تحديث: 09:01 (بيروت)

"العفو العام" للمتهربين من الضرائب!

الأربعاء 2018/02/28
"العفو العام" للمتهربين من الضرائب!
إدراج مواد في مشروع الموازنة دون التدقيق بنتائجها وجدواها
increase حجم الخط decrease
دخلت الحكومة في سباق مع الوقت لدرس وإقرار مشروع موازنة العام 2018 قبل شهر نيسان المقبل موعد انعقاد مؤتمر سيدر 1 في باريس، حتى أنه بات محتملاً أن يتم إقرارها قبل 5 آذار المقبل بحسب ما يتوقع وزير المال علي حسن خليل، وبات الاستعجال السمة الأبرز لاجتماعات اللجنة الوزارية المعنية بمناقشة بنود مشروع الموازنة، ما يعزز احتمال تمرير بعض البنود التي تحتاج الى تدقيق وتمحيص على طريقة "السلق" ومنها المادة 18، التي في حال أقرت ضمن الموازنة فإنها قد تعرّضها للطعن أمام المجلس الدستوري.

المادة 18 من الفصل الثالث (أي التعديلات الضريبية) في مسودة مشروع قانون موازنة 2018 تُقرّ وتسمح بتسوية أوضاع المكلفين بضريبة الدخل لغاية عام 2016 ضمناً أي لغاية تاريخه كون مهل التصريح عن أعمال عام 2017 ما زالت سارية، ما يعني تسوية أوضاع المكلفين بضريبة الدخل من "مكتومين ومخالفين ومتهربين ومتقاعسين" بحسب ما جاء في نص المادة18 ، فماذا يعني ذلك؟

التسوية المطروحة في المادة المذكورة تعني تبرئة ذمة جميع المكتومين والمخالفين والمتهربين والمتقاعسين بصورة نهائية وشاملة، من أي مسؤولية أو ملاحقة، لقاء قيم زهيدة لا تتناسب مع حجم المخالفات والتهرب المتعمد والإحتيال، وهو ما يساهم بطريقة أو بأخرى بتحفيز المخالفات والتهرّب من الموجبات والالتزامات الضريبية.

التسوية الضريبية المطروحة في موازنة 2018، في حال تمت فإنها ستشجع المخالفين وتبرئ ذمّتهم على حساب مَن كان ملتزماً بموجباته القانونية والوطنية وهذا الأمر يعد طعناً بالمواطنية الضريبية، يقول رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين ALDIC كريم ضاهر في حديث لـ"المدن". فالتسويات تجري عادة في دول العالم بهدف توسيع قاعدة المكلفين ورفع الواردات الضريبية، ولكن لا تتم التسوية على ضريبة الدخل إنما على ضرائب أخرى، كالتسوية التي حصلت في الولايات المتحدة الاميركية بعد إقرار قانون فاتكا، بهدف توسيع دائرة المكلفين وجباة الأموال، من مَن أودعوا أموالهم خارج الولايات المتحدة بهدف التهرب من الضرائب حينها تم فتح المجال أمام المتهربين لتسوية أوضاعهم ولكن بنسب معينة ولفترة زمنية معينة بمعنى أن التسويات جرت على حالات محددة وليس بشكل عام وشامل كالذي يحصل في لبنان.

فالتسوية الضريبية كما هي مطروحة اليوم في لبنان، بحسب ضاهر، أشبه بعفو عام عن كل جرائم، وكان يقتضي أن تكون التسويات الضريبية موضوع قانون مستقل "لكنّه أُدرِجَ ضمن أحكام وبنود وإعتمادات الموازنة لتفادي ردود الفعل السلبية لدى المواطنين والنواب وتسهيل موافقتهم عليه في سياق التعجيل المطلوب كشرط أساسي لمؤتمري روما 2 وسيدر 1".

وفي نص المادة 18 إبهام والتباس لأكثر من سبب، لعل أبرزها أن التسوية ستجري للحالات الاربع (المكتومين والمخالفين والمتهربين والمتقاعسين) على أساس جدول يتضمن العديد من الفئات، كالشركات المساهمة والشركات محدودة المسؤولية وغيرها وصولاً الى الاشخاص العاديين الخاضعين للربح المقدر كبائعي الجرائد مثلاً، وهؤلاء تراوح قيمة التسوية معهم بين 200 ألف ليرة و4 ملايين ليرة منذ العام 2011 وحتى العام 2016، بمعنى أن الشخص الذي لم يصرح عن الضريبة طيلة حياته سيدفع مبلغ زهيد كتسوية أي نحو 1200 الف فقط على 6 سنوات ويبرئ ذمته، من هنا تقع مخالفة مبدأ المساواة أمام الضريبة، المنصوص عنه في كل من الفقرة (ج) والمادة 7 من الدستور اللبناني.

ثغرة أخرى يتحدث عنها ضاهر هي أن الدولة فتحت المجال بهذه التسوية للأشخاص الذين قاموا بالتسجيل وصرحوا بأنهم لم يحققوا أرباحاً، وهؤلاء سيُطبق عليهم نفس وضع المكتومين، أما الاشخاص الذين تسجلوا وصرّحوا وسددوا الضريبة المتوجبة عليهم  فبإمكانهم الدخول في التسوية، وحينها يؤخذ رقم اعمال الشخص المكلف ويتم التعامل معه على أساس نشاطه، ففي حال كان صناعياً على سبيل المثال تُحسب على رقم الاعمال نسبة 0.5% من حجم الأعمال أي إذا عمل بمليون دولار يسدد ضريبة بنحو 5 الاف دولار  فقط واذا كانت مؤسسة تجارية أو خدماتية يدفع 1% واذا كانت الأعمال مصارف ومؤسسات مالية وصيرفة يدفع 5%، ولكن في حال تبيّن أن النسبة الواقعة على المؤسسة أعلى من الضريبة المصرح عنها يدفع المكلف الفارق أما (وهنا المشكلة) إذا كانت النسبة الواقعة أدنى من الضريبة المصرح عنها فإن وزارة المال عليها حينئذ أن تعيد للمكلف الفارق المالي الذي سدده.

ويبقى الخوف بحسب ضاهر من أن يكون ما سيتم تحصيله من المكتومين أقل من المبالغ التي ستضطر الدولة إلى سدادها للمكلفين الملتزمين الذين سيدخلون بالتسوية، "لاسيما أنه لم يتم وضع دراسة عن الإقتراح ولم يخضع لأي محاكاة اقتصادية قبل اقتراحه"، فالمشرعون في لبنان لا يقرأون وهذه أزمة بحد ذاتها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها