الإثنين 2018/02/26

آخر تحديث: 00:15 (بيروت)

لا حلول إقتصادية خارج التسوية الإقليمية

الإثنين 2018/02/26
لا حلول إقتصادية خارج التسوية الإقليمية
انكشاف لبنان على الاقليم المأزوم يعقّد الحلول (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

في الوقت الضائع، تجتهد اللجنة الوزارية المكلفة دراسة مشروع موازنة 2018 لهدف احالته إلى مجلس النواب مشروع قانون قبل نهاية شباط. والتركيز على خفض النفقات بواقع 20%، كي لا يرتفع العجز المقدر فوق المحقق فعلياً في 2017. وكان في حدود 9% حداً أدنى. لو نحّينا جانباً ما لا ينحّى في المنطق وواقع الحال. أي شراء الوقت قبل شهرين من انتخابات نيابية مفترضة، واستشارات نيابية لتأليف حكومة جديدة، وبيان وزاري، ومناقشات وثقة. وكل ذلك في بيئة سياسية شديدة التعقيد والتنابذ، فسيكون علينا شراء وقت من نوع آخر، لا علاقة له بخفض نفقات الموازنة من قريب أو من بعيد. بل بالمدى الزمني الذي سيستغرقنا لبدء العمل بقانون الموازنة. فشراء الوقت لا يخضع لقانون العرض والطلب. هو معروض دائماً على مدار الساعات والشهور والسنوات. بقي من يطلبه للعمل والجِّد. وقد استنفدناه بالكامل في الموازنات المتعاقبة. وفي الاقتصاد والسياسة والاجتماع. بينما البديهي في وضع كوضعنا استباق الوقت للخروج من النفق.

نجتهد أكثر لسلق موازنة على نار المؤتمرات الخارجية الثلاثة المقررة لدعم لبنان في روما، وباريس، وبروكسل، لبحث تعزيز سلاح الجيش والقوى الأمنية، وتقديم قروض استثمارية ميسرة لمشاريع استثمارية، وللمساعدة في تمويل عبء النازحين السوريين. أي نوع من الدعم لن يكون معزولاً عن الاعتبارات السياسية المحلية والجيوسياسية الاقليمية. في غياب الدعم الخليجي السياسي أولاً، والمالي ثانياً، نغالي إذ نعول على نتائج يعتد بها من المؤتمرات. نتائج الانتخابات النيابية المفترضة، والحكومة التي ستعقبها وبيانها الوزاري بوصلة مهمة أيضاً لقرارات المؤتمرات. الوفد السعودي إلى بيروت آتٍ لهذه الغاية. والدول الاوروبية مهتمة بالحكومة الجديدة لترعى تعهدات المؤتمرات وتنفيذها. ولن تعمل بلا دعم سعودي وخليجي، سوى بما تيسر. الخليج مترع بالخلافات الداخلية. وينفق على أمنه الداخلي والمخاطر الجيوسياسية. وإن عبرت موازنة 2018، فمن دون اصلاحات ستعبر.

رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري قال في جلسة مجلس الوزراء يوم 19 شباط، هناك ضرورة لخفض العجز 20% وعدم زيادة الدين. "وهذا ما أوصى به صندوق النقد الدولي حفاظاً على الاستقرار المالي. واذا لم تُقر الاصلاحات فالضرر سيكون كبيراً. ونكون بذلك عملنا ضد مصلحة المواطنين، ولاسيما الطبقتين الوسطى والفقيرة".

الانطباعات الأولية التي سجلتها بعثة صندوق النقد الدولي في انتظار تقريرها النهائي، ركزت على العجز المالي وتوازن الموازنة والاصلاحات. لم تتحدث عن خفض النفقات. ولو كانت تريدها تحصيل حاصل. السبب الأول، لأن بعثة الصندوق تعلم مدى استحالة خفض نفقات من موازنة تشكل فيها الرواتب وفوائد الدين العام نحو 77%. يضاف إليها نحو ألفي مليار ليرة لمؤسسة كهرباء لبنان، قرر مجلس الوزراء استبقاءها خارج الموازنة. الأمر الذي يمثل أكبر خلل مالي طالما نبّه إليه صندوق النقد. ولا يريده مؤتمر باريس في التأكيد. ويتعارض أساساً مع شمول الموازنة كل النفقات العمومية. وهو ركن من أركان أي موازنة. أما السبب الثاني، فلأن بعثة الصندوق تعلم الأهم في جانب خفض النفقات وهو الإهدار المالي والفساد. والبعثة ليست مخولة اتهام الحكومات الأعضاء في الصندوق والمؤسسات السياسية فيها بالفساد.

في السياق نفسه تتحدث تقارير الصندوق عن الاطار المؤسسي ونزاهته وكفايته شرطاً من شروط التوازن المالي. لكن الفساد معطًى أساسي يتناوله باستمرار المخولون النطق باسم الصندوق. المديرة التنفيذية للصندوق كريستين لاغارد قالت في اجتماعات الصندوق والصرف الدوليين في تشرين الأول 2107، وفي حضور الوفد اللبناني، إن الفساد النظامي يضعف ثقة المواطنين في الحكومة ويقلص النمو الممكن. والرشوة وحدها تكلف أكثر من 1.5 تريليون دولار أمريكي سنوياً، أي قرابة 2% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي. "ومن شأن خفض الفساد (وليس القضاء عليه) أن يرفع كفاية الاستثمار العام 50%. ويرفع نصيب الفرد من الدخل الحقيقي بنحو نقطة مئوية. المؤشرات الدولية تظهر لبنان في قاع الفساد. لا نملك رقماً عن الخروق الضريبية. هناك من يقدرها اعتباطاً 4 مليارات دولار اميركي سنوياً. أقل أو أكثر لا فرق. التقديرات شبه الواقعية تشير إلى أن نحو 50% حداً أدنى من المؤسسات غير مسجلة نظامياً، ولا نافذة لتدخل الدولة اليها. بإضافة الرشى وحقوق الدولة المنقوصة في حيازاتها، وأصولها، ومؤسساتها المحشوة بالزبائنية تكتمل الصورة مزيداً من المليارات.

كان من الحصافة أن يتبنى مجلس الوزراء خطة لخفض العجز وليس لخفض النفقات فحسب. والمجلس كما بعثة الصندوق، على علم بصعوبة خفض النفقات بواقع 20% مما يتبقى بعد النفقات الجارية على الرواتب وفوائد الدين العام، وفي موسم انتخابات نيابية. وخفض العجز يكون أيضاً بزيادة إيرادات الخزانة والموازنة. وقد لحظت بعثة صندوق النقد "أن هناك مجالاً كبيراً لزيادة الإيرادات بإنصاف، بما في ذلك عن طريق تحسين الامتثال الضريبي، وتوسيع القاعدة الضريبية".

هل هذا الركن الثاني المهم من خفض العجز من المحظورات؟ لماذا نتجاهله؟ وكان واضحا في تقرير البعثة الأولي. قبِلنا. ليتنكب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب مرة واحدة فتح ملف الفساد وخفض النفقات من هذا المطرح. وقد غدا من زمان مادة للاستغلال السياسي. ونسأل البعض الذي تنتابه "كريزة معارضة" سياسية واعلامية على أبواب الانتخابات، هل بدّل مفهومه "نحن حزب النظام وحزب الرئيس"؟

الأزمات أسوأ وقت للاصلاحات. شمول الأزمات العمق الاقليمي للاقتصاد اللبناني، وانكشاف لبنان على الاقليم المأزوم سياسياً وأمنياً، يعقّد الحلول ويزيد تداعياتها. لا حلول اقتصادية خارج التسوية الاقليمية. هل نصمد؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها