الإثنين 2018/01/29

آخر تحديث: 06:21 (بيروت)

"المارشال الأميركي"في ميدان المصارف

الإثنين 2018/01/29
"المارشال الأميركي"في ميدان المصارف
سلامة: على لبنان اقتفاء أثر قوانين الولايات المتحدة المتعلقة بالنظام المصرفي الدولي (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

قال مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون تببيض الاموال واموال الارهاب مارشال بيلينغسلي كلمته في بيروت ومشى. طلب بوضوح قَفل المصرف التجاري السوري اللبناني SLCB، ومواربة قَفل مصرف صادرات ايران. المصرف الايراني في بيروت قضية قديمة تتجدد كل يوم على خلفية الصراع مع طهران وحزب الله. وهو الملف الأساسي الذي عرضه الوفد الاميركي على المسؤولين بكثير من الصلف والغِلظة. بالرغم من اطلاع "مارشال الخزانة" الاميركية جيداً على القوانين اللبنانية ذات الصلة السارية مفاعيلها، وعلى تعاميم مصرف لبنان، والهيئة الخاصة لمكافحة تبييض الاموال واموال الارهاب. وقد وضِع معظمها بناء على تعليمات خزانته أو بإيحاء منها وضغوط. ولم يأبه لمدى توافق ما طلبه مع تلك القوانين والتعاميم. ويعلم "المارشال" أن حشر الجانب اللبناني في خانة الإذعان والطاعة لتعليماته في لحظة سياسية معقدة محلياً واقليمياً، من شأنه إضافة مزيد من التعقيد على الوضع السياسي الداخلي وعلى علاقات لبنان الاقليمية.

مصرف صادرات ايران يعمل في بعض العواصم الاوروبية. مع ذلك لم نعلم أن الخزانة الاميركية تقدمت بطلب قَفله إلى العواصم المعنية. ولا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD فعلت ذلك. قد يزعم "المارشال" أن لبنان قاعدة عمل حزب الله ومركزه. لكنه يعلم أن مصرف صادرات ايران هو غير المصرف اللبناني الكندي الذي قَفل وشطب من لائحة المصارف بعد اتهامه بتبييض اموال لحزب الله. طلب قَفل المصرف التجاري السوري اللبناني هو أيضاً سياسي بامتياز. إذ لم يُتهم المصرف بتبييض اموال وباموال الارهاب. فقط لأنه يقدم دعماً للنظام السوري. وسوريا في خانة العقوبات الاميركية. كل المساحة السورية وأرض المعارك هناك وللولايات المتحدة فيها وجود عسكري وسياسي لم تتسع للادارة الاميركية لتصفية حساباتها مع النظام. لبنان الخاصرة الرخوة مرة جديدة! بيد أن طلب قَفل المصرف يرتب حرجاً لمصرف لبنان من الناحية القانونية ومسار الاجراءات الآيلة إلى قَفل مصرف وشطبه من لائحة المصارف. قبل أن نتناول هذا الجانب، نشير إلى أن المصرف التجاري السوري اللبناني المسجل شركة مساهمة لبنانية تعود غالبية أسهمه للدولة السورية. 84.20% للمصرف التجاري السوري. 5% للشركة السورية للتأمين و10% لمصرف لبناني صغير. وفهمنا أن ميزانيته لا تتجاوز مقومة بالدولار الاميركي 300 مليون. والمؤسسات المشار إليها ممثلة في مجلس الادارة. بالإضافة إلى اللبنانيين الدكتور عارف اليافي والنائب نوّار الساحلي.

حالات قَفل مصرف في لبنان وشطبه من لائحة المصارف تتولاها الهيئة المصرفية العليا، بنص صريح في المادة 208 من قانون النقد والتسليف، معدلة وفقاً للقانون 28/67 الصادر في 1967. ومنطوقها، "سواءٌ خالف مصرف أحكام نظامه الأساسي، أو أحكام هذا القانون، أو التدابير التي يفرضها المصرف المركزي بمقتضى الصلاحيات المستمدة من هذا القانون، أو قدم (المصرف المعني) بيانات، أو معلومات ناقصة، أو غير مطابقة للحقيقة، يحق للمصرف المركزي أن ينزل بالمصرف المخالف العقوبات الادارية الآتية: أ- التنبيه. ب- خفض تسهيلات التسليف المعطاة له أو تعليقها. ج- منعه من القيام ببعض العمليات، أو فرض أي تحديدات أخرى في ممارسته المهنة. د- تعيين مراقب أو مدير موقت. ه- شطبه من لائحة المصارف.

ووفق معلومات مؤكدة من مصادرها، لا تنطبق واحدة من الحالات تلك على الصرف التجاري السوري اللبناني. خلا الفقرة (ج) من المادة المتعلقة بمنع المصرف من القيام ببعض العمليات. وقد التزم المصرف تنفيذها بعدم التعامل بالدولار الاميركي واليورو على خلفية العقوبات الاميركية والاوروبية. كما مُنع المصرف من فتح اعتمادات تجارية عبر مراسلين من مصارف اميركية واوروبية. أي أن المصرف مقصي عن العملتين الرئيسيتين في التجارة الدولية وفي الإيداعات بهما والتسليفات. وليس له أي شباك مصرفي مراسل في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. لا يتوفر إذن أي سند قانوني حتى لإحالة المصرف السوري اللبناني إلى الهيئة المصرفية العليا لمناقشة واتخاذ القرار. وللهيئة سلطة قضائية لا تقبل المراجعة. ولم تتسلم أي تقرير يفترض أن تعده لجنة الرقابة على المصارف تمهيداً لإحالته إليها. وطبقاً لمعلومات إضافية من مصدر آخر معني، لم يوجه إلى المصرف أي تنبيه ليس شرطاً ضرورياً، كي تعقبه الاجراءات الأخرى تسلسلاً كما وردت في المادة 208 من قانون النقد والتسليف.

إلى ذلك، فالمصرف السوري اللبناني، يكون التزم أيضاً مضمون التعميم الأساسي رقم 126 الصادر عن مصرف لبنان في نيسان 2012، والمتعلق بالمصارف الأجنبية المراسلة، وبوجوب توقف المصرف عن التعامل بعملة البلد الذي يصدر العقوبات. وبافتراض الطلب الاميركي على خلفية أسهم لنائب من حزب الله، وهي رمزية وانتقلت إليه كما علمنا ميراثاً موصى به، فلا تعد مخالفة للعقوبات طالما أن قانون العقوبات الاميركي على الحزب الصادر في 2015 تسري مفاعيله على المصارف التي تتعاطي بالعملة الاميركية. وتحول بينها وبين المصارف الاميركية في الخارج. ولا تنطبق الحال على المصرف التجاري السوري اللبناني. الأمر نفسه ينسحب على العقوبات الاوروبية على دمشق. والاتحاد الاوروبي لم يدرج القيادة السياسية لحزب الله على لائحة الارهاب.

غادر "مارشال الخزانة الاميركية" بيروت. وعلى ما علمنا أنه زار والوفد المرافق النصب التذكاري في السفارة الاميركية في عوكر، يرمز إلى رجال المارينز الذين قضوا في المطار. وتحمِل الولايات المتحدة حزب الله وطهران المسؤولية عن العملية. فجّر قبل مغادرته الديار، قنابل حمّالة أوجه ليتشظى بها بلد صغير لا يقوى على جمع نفاياته. وغادر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في زيارة قيل لنا إنها إلى باريس. ولا تُعرف طبيعتها على جاري العادة في أسفار سلامة بين فترة وبين أخرى. وفي منطق الأمور لا نحسبها في هذه الظروف بعيدة من الملف الذي حمله الوفد الاميركي. ولو أن الملف في الشكل يبدو خارج تأثير العاصمة الفرنسية. وسيكون على سلامة بعد عودته عرض الملف بأكمله على المسؤولين السياسيين. ولطالما كرّر أكثر من مرة أنه مكتوبٌ على لبنان، اقتفاء أثر قوانين الولايات المتحدة المتعلقة بالنظام المصرفي الدولي، والعقوبات في مقدم تلك القوانين. وتفيد المعلومات بأن رئيس الجمهورية ميشال عون اجتمع به قبل سفره بصحبة وزير المال علي حسن خليل، في زيارة أولى للثاني إلى القصر، بعد الخلاف على مرسوم أقدمية ضباط دورة 1994. لعلّ ما فرقته المصالح السياسية يجمعه "مارشال الخزانة" الاميركية!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها