الإثنين 2018/01/22

آخر تحديث: 00:34 (بيروت)

القِردة تأكل المحصول

الإثنين 2018/01/22
القِردة تأكل المحصول
تنتظرنا استحقاقات بنحو 14.6 مليار دولار أميركي (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

هل توقف انتاج المراسيم المهمة والتشريع إلى ما بعد الانتخابات النيابية المفترضة في أيار المقبل؟

لنصُغ السؤال في اطار أكثر تحديداً. هل سيعلق التشريع والمراسيم والقرارات التي تحتمل خلافاً سياسياً وتنابذاً غلظاً إلى ما بعد الانتخابات؟

لو كانت الفرضية صحيحة على ما بدأنا نسمع فتعني وهلة أولى أموراً ثلاثة ليس على وجه الحصر. الأول، أن الخلاف السياسي المستحكم في صناعة القرارات والمراسيم والتشريع مرده حقاً إلى قضايا جوهرية ذات صلة مباشرة بالشعب والوطن، وبهموم المواطن الاقتصادية والاجتماعية. أما الثاني، أن كل شؤون البلاد والعباد والمآسي التي ترزح على صدور اللبنانيين تحتمل ارجاءها شهوراً بعد انتخاب المجلس النيابي الجديد. هناك استشارات نيابية لتكليف رئيس للحكومة. ولتأليفها ولإعداد البيان الوزاري، ومناقشته في مجلس النواب ونوال الحكومة ثقة المجلس. وأسابيع بعد ذلك لدرس الملفات وتأليف اللجان النيابية والشروع في العمل. طارت 2018 حداً أدنى. وأما الثالث، أن مجلس النواب الجديد ومخرجاته الحكومية ستكون أكثر جدارة مما لم يستطعه الأوائل. نحسَب أن لا شيء من هذا سيحصل. ولأسباب ثلاثة أيضاً وليس على وجه الحصر.

أولاً، لأن الخلافات السياسية التي تعطل العمل المؤسسي خلافاً للدستور والقوانين، ليست على القضايا الجوهرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والسياسة الخارجية ملّزمة من الباطن إلى الإقليم. فكيف لو بدأنا في التصدي لمشكلات الموازنة والدين والعجز والنقد. والملف التربوي وشراكة القطاعين العام والخاص؟ ومعها سيل من الاضرابات والمطالب والشؤون الاجتماعية. بالإضافة إلى خطة بتكلفة 16 مليار دولار أميركي و4 أخرى لمشاريع لم يكتمل تنفيذها وعقود صيانة.

ثانياً، لأن المواطن أعدّ نفسه ليشهد فصلاً جديداً من فصول ملهاة تأليف الحكومات وتركيبها بحقائب سيادية وبلا سيادة. في مثل هذه الأجواء يستعصي على السلطات مجتمعة مجرد إزاحة رئيس مصلحة في المؤسسات العامة. فكيف بالتصويب على وزارات باتت إرثاً لزعيم طائفة مصوناً بالميثاقية وخاتم السلطان؟ الأجواء نفسها هي التي تصطنع بياناً وزارياً موارباً فضفاضاً عصياً على التنفيذ.

ثالثاً، لأن من العبث ننشد مخرجات كفية من الانتخابات النيابية المفترضة لتغيير واقع الحال. أسوأ ما في قانون الانتخابات أن تُنسب إليه النسبية على أساس طائفي وخارج الدائرة الانتخابية الواحدة على المستوى الوطني. والصوت التفضيلي الذي يلحظه لن ينتج إن أنتج، ميزات تفاضلية كفيلة بإحداث اختراق جوهري في الحياة السياسية والوضع الاقتصادي. ليلحظ من يقول العكس، ما يحصل قبل نحو شهور من الانتخابات. كرنفال من الرياء يتبادله سدنة النظام وأحزابه. الكل مفتوح على الكل. يقفز على جبال من الخصومة والشتائم وتقاذف النقائص زهاء عقدين من الزمن. البرامج والرؤى لا مكان لها.

هذا نظام لا يعمل. قبِلنا تعليق مفاعيل الدستور في كل مرة يبلغ فيه النظام عنق الزجاجة. وقبِلنا تجاوز القوانين. سدنة النظام لم يقبلوا. القضايا الكبيرة والصفقات الدسمة تطبخ خارج الحكومة ومجلس النواب لاستخدامها ترويجاً للحملات الانتخابية. الحديث عن الكهرباء والخدمات ومعضلة النفايات والاقتصاد والاستثمار لمجرد تسجيل المواقف. البطالة والأسعار والمرض وغيرها يجتنبونها. دخلنا في القاعدة الإثنتي عشرية لننفق من جديد في سنة 2018. بلا تشريع ولا قانون. وطبع العملة مستسهل. الولايات المتحدة توقفت عن الدفع الداخلي وأغلقت وكالات كثيرة بعد 19 كانون الثاني لأن قانون الموازنة وزيادة سقف الدين نفد في الساعة صفر من اليوم المذكور. ولم يتوصل الكونغرس إلى تشريع. والولايات المتحدة تطبع عملة العالم وتتحكم في مفاصل النظام المالي الدولي. إلاّنا. وديننا مفتوح على بركان. ونحو مزيد منه لخطة استثمارية لا يعوزها المال بمقدار الثقة التي قال رئيس حكومتنا إنها شعار للحكومة. وذاهبون إلى تركيب ديون جديدة مؤجلة السداد عقوداً مع فترات السماح وبفائدة متواضعة. الأجيال الجديدة ستدفع. لا بأس. هل ستتنعم أجيالنا بخِدمات الخطة؟ متى وكيف؟ مجلس الوزراء منشغلٌ بقرارات وبنود تسقط على الوزراء لأغراض سياسية في موسم انتخابات. هل من دواعي الثقة والنمو والتنمية المتوازنة أن تنقل المدرسة البحرية من عكار المضروبة بالتخلف والفقر إلى البترون؟ ومن دون علم الوزير المختص. يبدو أن الثقة باتت وقفاً على إنجاز تحالف "الإبراء المستحيل" و"الافتراء في معرض الابراء". قبل أن ننتهي بعد من أزمة مرسوم ضباط دورة 1994.

شاهدنا وزير خارجيتنا ومغتربينا أيضاً، يدشن محطة كهرباء في بيروت. شُدهنا حين رأينا وزير الطاقة والمياه المعني واقفاً إلى جانبه. حتى إذا علمنا أن وزير الخارجية كان مكلفاً المهمة من رئيس الجمهورية زال السبب ولم يبطل العجب. فالوزيران كلاهما من تيار الرئيس السياسي. "قد تكون لحظة تخلٍّ". يصر رئيس الجمهورية على إسقاط 2017 من سنوات العهد الأولى. علماً إن مصطلح "العهد" كان سارياً قبل دستور الطائف. بعده بات ينطبق على عمل مؤسسات الدولة ألأُول الثلاث. مع ذلك نقول إنها حكومة سنة العهد الأولى. وحتى تكون 2018 حكومة العهد الثانية في سنة انتخابية شديدة الوطأة على الناس والاقتصاد، لا يمكن أن تعمل المؤسسات فرادى. وتحترب كي نعبر السنة بأقل التداعيات الممكنة. حيث تنتظرنا استحقاقات بنحو 14.6 مليار دولار أميركي. عدم الفصل بين السلطات لاسيما السلطة القضائية هو أدهى من الاحتراب. لا ننتظر استثماراً ومؤسسات اقتصادية من دولة قانون. وبلا قضاء مستقل ينتزع استقلاليته بنفسه. وغير ذلك الفوضى. تُرى غير التي نحن فيها؟

كتب جورج أورويل مرة "عندما تتنازع القردة تخرب الزرع. وعندما تتفق تأكل المحصول". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها