هذه تكلفة زحمة السير

خلال السنوات العشر الماضية، ازداد الوقت اللازم للتنقل من مكان إلى آخر في لبنان بمعدل 40 إلى 50%. فالرحلة التي كان يحتاج اتمامها إلى ساعة بات تحتاج الآن إلى ساعة ونصف. أما تفادي زحمة السير من خلال تجنب أوقات الذروة فأصبح أمراً صعباً، خصوصاً في بيروت وضواحيها وعند مداخلها. إذ لم تعد زحمة السير محددة بثلاثة أوقات ذروة، كما في السابق (صباحاً، عند انتهاء دوامات المدارس وعند انتهاء دوامات العمل)، بل باتت زحمة السير تمتد إلى فترات متواصلة، من الصباح حتى المساء، وفق ما يقول لـ"المدن" المهندس رامي سمعان المتخصص في مجال النقل.

لزحمة السير تكلفة كبيرة على الاقتصاد اللبناني. إحدى الدراسات التي نشرها مركز الدراسات في بلوم بنك قدرت التكلفة بملياري دولار في العام، أي نحو 4% من الناتج المحلي. في حين يقول الدكتور زياد نكت، وهو خبير النقل والمواصلات في البنك الدولي، في حديث إلى "المدن"، إنه وفق الدراسات التي اطلع عليها تراوح تكلفة زحمة السير في لبنان بين 5% و10% من الناتج المحلي. أي أن تكلفة الزحمة تراوح بين مليارين ونصف وخمسة مليارات دولار سنوياً.

أما المواطن الذي باتت الزحمة شكواه اليومية، فيدفع تكلفة مباشرة تتخطى تكلفة البنزين المستخدم في التنقل. إذ تؤدي زحمة السير إلى إضعاف قدرته الشرائية. فالنقل سلعة وسيطة مستخدمة في الإنتاج، يؤدي ارتفاع تكلفتها إلى ارتفاع تكلفة إنتاج السلع أو حتى نقلها. ما يعني ارتفاع سعرها. ففي حين كانت تشكل تكلفة النقل 15% من تكلفة الإنتاج، أدى ازدياد زمن التنقل بنحو 50% إلى ازدياد تكلفة النقل، لتبلغ نحو 26% من تكلفة الإنتاج. بالتالي، ارتفع ثمن المنتج وتحمل المستهلك العبء الناجم عن تكلفة التنقل.

ولا تقف تكلفة الزحمة عند هذا الحد. إذ إن ارتفاع نسبة تلوث الهواء، الناتج عن استخدام السيارات، ينعكس سلباً على صحة الإنسان وفاتورته الصحية. وانتظار الأفراد في السيارات وفي زحمة السير يسبب هدراً للوقت وخفضاً لإنتاجيتهم وانخفاض دخل البعض منهم. فالتأخير في بعض التقاطعات يراوح بين 5 دقائق ونصف ساعة، وفق دراسة نشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

ورغم اتفاق العديد من الدراسات التي قامت بها جهات متعددة، منذ سنوات، على ضرورة ايجاد حل للمشكلة، غير أن بوادر الحل لم تظهر طيلة الفترة الماضية. لكن، نكت يتحدث عن خطوات جدية اتخذها مجلس الوزراء في جلسة 19 كانون الأول 2017، وكلف خلالها مجلس الانماء والاعمار التفاوض مع البنك الدولي بهذا الشأن. ومن المفترض أن يلي هذه الخطوة العمل على انهاء الدراسات وايجاد التمويل والبدء بالعمل على حل مشكلة زحمة السير خلال الفترة المقبلة.

لكن الحل لن يكون سحرياً، وفق نكت، بل يتطلب خططاً على المدى القصير وأخرى على المدى الطويل. ولا يكون عبر تحسين النقل العام فحسب. إذ إن مشكلة الزحمة لها مسببات كثيرة منها البناء في غياب وجود تنظيم مدني، إضافة إلى مشكلة مواقف السيارات ومخالفة قوانين السير وغيرها.