الإثنين 2017/09/11

آخر تحديث: 00:34 (بيروت)

معركة دير الزور لـ"سوريا المفيدة"

الإثنين 2017/09/11
معركة دير الزور لـ"سوريا المفيدة"
دير الزور والرقة والحسكة خزان الموارد الطبيعية والزراعية والمائية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

يستميت النظام السوري لاستعادة محافظة دير الزور ومدينتها. وكلما اقترب من ذلك بات على تخوم المنطقة الشرقية مع الحسكة والرقة. المناطق التي كان يصفها النظام ضمناً "سوريا غير المفيدة". "سوريا المفيدة" هي "سوريا الأسد" التي ضاقت بالنظام وزبائنيته إلى بعض اللاذقية ومدن الساحل ومقر النظام ومؤسساته التابعة في المهاجرين وأبو رمانة، قبل التدخل الروسي بالطيران والبوارج البحرية في صيف 2015. دير الزور والمناطق الشرقية ليست مفيدة فحسب. بل هي في الواقع سلة غذاء سوريا ومواردها من النفط والغاز والفوسفات والقطن وغيرها. ويعلم النظام استحالة بدء ورشة اعمار حقيقية في سوريا، قبل حسم الصراع هناك. ودون ذلك منعطف كبير تتداخل فيه المصالح السياسية الاستراتيجية لكل اطراف الحرب. وهي تتسابق الآن على على احراز تقدم في الميدان. وفي مقدمها الولايات المتحدة وتركيا وايران. وضمناً، الكرد والعشائر التي تقطن تلك المناطق وخرجت على النظام الذي يحاول الآن استمالتها. شبه المؤكد، أن معركة دير الزور والمناطق الشرقية ستتشكل على نتائجها معالم الحلول في سوريا وعملية اعادة الاعمار والبناء الاقتصادي.

فبينما استأثرت دمشق وحلب والمناطق الغربية من سوريا بمعظم النشاط الاقتصادي عقوداً طويلة، كانت المناطق الشرقية في دير الزور والرقة والحسكة خزان الموارد الطبيعية والزراعية والمائية. وفي قلب الحرب منذ 2011. فيها نحو 60% من الحبوب و75% من القطن. وحصة وازنة من البقول والثمار. أمنت مواد الصناعات الغذائية وصناعات الغزل والنسيج والصباغ لمصانع حلب وضواحيها. وفي 2010، كان انتاج النفط في دير الزور والحسكة نحو 365 ألف برميل يومياً. تضاف إلى موارد الغاز التي تم اكتشافها في تدمر. مصفاة حمص والمصانع الكيميائية في محافظتها لا تعمل من دون موارد النفط والغاز والفوسفات من المناطق الشرقية. وشكلت امتدادات دير الزور والمناطق الشرقية مراعي لريف حماه، مورد البلاد من المواشي والقطاع الداجن. وكانت صادرات هذا القطاع مطلوبة ومنافسة بقوة في الخليج العربي.

"سوريا غير المفيدة" هذه عصب اقتصاد الموارد لـ"سوريا المفيدة". مع ذلك لم تحظ ببركة النظام ومشاريعه التنموية. وفيها كانت أسوأ المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في كل سوريا. علماً، أن الجدوى الاقتصادية لمشاريع التنمية في تلك المناطق، هي اعلى منها في مناطق أخرى، لقربها من الموارد ونهر الفرات وسعة أراضيها وحاجة الناس إلى العمل والتعليم والتدريب المهني والمشافي الصحية.

لكن لماذا الربط بين سيطرة النظام على دير الزور والمناطق الشرقية وبين عملية اعادة الاعمار؟

أولاً: لأن معادلة اعادة اعمار سوريا باقية في الحلول السياسية ومستقبل سوريا السياسي. وسيبقى الاعمار جزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية، ما بقي تحدي الاعمار في حاجة إلى تمويل ضخم لا نراه بأقل من 200 مليار دولار حداً أدنى لو أخذنا متوسط تقديرات الأمم المتحدة والمصرف الدولي والوكالات الدولية ذوات الصلة. وقد كتبنا ذلك في "المدن" قبل نحو سنة. تمويل في هذا الحجم لا توفره إلا دول كبيرة متى تتفق على حل سياسي للحرب في سوريا. وتلك الدول موجودة على أرض المعركة في شكل أو في آخر. من الخطأ الاعتقاد في أن تقديرات الاعمار مرتبطة بالخسائر الاقتصادية التي حاقت بسوريا نتيجة الحرب. السيناريو هذا يفترض اضافة 328 مليار دولار اميركي إلى تكلفة اعادة الاعمار. "الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا" التي نوقشت في مؤتمر بروكسيل في نيسان 2017، باشراف الأمم المتحدة ومنظمات دولية وخبراء سوريين، قدرت خسائر رأس المال المادي 100 مليار دولار اميركي. وخسائر النمو الضائع بنحو 228 ملياراً. وكلاهما رأس المال المادي والنمو الضائع يفترض تعويضه بعد اعادة اعمار البنى التحتية والمنازل والمنشآت المدمرة. والمقدر تكلفتها 200 مليار معدلاً وسطاً حتى ربيع 2017.

الوثيقة التي صدرت عن بروكسل كانت شديدة الوضوح: "لضمان استدامة عملية اعادة اعمار سوريا، يجب أن تؤخذ بالاعتبار أولاً وحدة الأراضي السورية بكامل مقوماتها الإثنية والعرقية والقومية، ضمن نظام حوكمي يحدده السوريون ويختارونه أنفسهم من خلال عملية سياسية تمثيلية تشمل جميع السوريين. هذه العملية تضمن الحفاظ على مؤسسات الدولة المركزية وتمكينها والبناء عليها. وأي عملية لاعادة الاعمار لا تراعي أسباب نشوء الأزمة في سوريا وجذورها، الاقتصادية والاجتماعية والحوكمية، ستكون غير مستدامة. وستواجه مصاعب قد تؤدي إلى عودة النزاع في المستقبل".

ثانياً: لأن النظام السوري يقلل من شأن انخراط المجتمع الدولي لتأمين تمويل الاعمار مشروطاً بالحل السياسي ومستقبل سوريا والحوكمة والنزاهة. يراهن على نموذج آخر للاعمار من شركائه في الحرب روسيا في المقام الأول وايران ثانياً. وورقته الخبيئة الصين والهند والبرازيل. الدول الثلاث كان لها استتثمارات في قطاعات النفط والغاز. توقفت نتيجة الحرب وتكبدت شركاتها خسائر كبيرة تريد تعويضها. من الطبيعي أن تصاحب عملية اعادة الاعمار وفقاً لأي نموذج استثمارات قطاعية لا علاقة مباشرة لها بالجهد الاعماري. وتتكامل معه في الضرورة.

من هنا، أهمية دير الزور والرقة والحسكة والمنطقة الشرقية. ففيها حوافز الاستثمارات المطلوبة بالأفضلية. لكن روسيا لن تسلم بسهولة بهذا الأمر. وهي صاحبة القرار السياسي في سوريا. واستثماراتها فيها وعلاقاتها الاقتصادية معها سابقة للحرب. ولا يمكن دمشق عدم حفظ حصة ايران وشركاتها في الاستثمار واعادة الاعمار. وسيمضي وقت لمعرفة طبيعة التزامات سوريا المالية وحجم ديونها لكل من روسيا وايران. والدولتان الخاضعتان للعقوبات الاقتصادية تفرضان ستاراً كثيفاً على تلك الالتزامات لأسباب تتعلق بالداخل والمزاج الشعبي. روسيا قد تؤثر الاعمار المرتبط بالحل السياسي لتأمين التمويل من المجتمع الدولي. لأنها ستكون جزءاً منه. ولكون الحل قد يكون مجزياً للشركات الروسية للاستثمار في المناطق الشرقية بعد توفر التمويل. من دون أن تضطر إلى الاسهام بنفسها من موازنة عاجزة ونمو متباطئ.

ثالثاً: لأن مبالغة النظام بالحديث عن اعادة الاعمار قبل أوانه، إنما لدغدغة مشاعر المستثمرين الخارجيين كسباً للشرعية السياسية الدولية من جهة، وللحصول على استثمارات بمفهومها الضيق قد تجد صداها لدى مستثمرين غير مؤسسيين. هذه علاجات موقتة تفيد منها الدوائر المقربة من النظام التي استغلت مشاريع القطاع العام والقطاع المشترك وأثرت بالمليارات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها