الثلاثاء 2017/08/08

آخر تحديث: 01:46 (بيروت)

زراعة القاع.. تُقتل في أرضها

الثلاثاء 2017/08/08
زراعة القاع.. تُقتل في أرضها
المزارعون غير قادرين على تحمل أعباء انتاج لا سوق له (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

رغم أن المداهمات العسكرية الدورية في منطقة مشاريع القاع تربك معظم العمال السوريين القاطنين فيها بصفة نازح، فتدفعهم الى التخلف عن ورشهم الزراعية بسبب انتهاء صلاحية أوراق دخولهم الشرعي إلى الأراضي اللبنانية، إلا أن هذه المشكلة ليست "مصيبة" الزراعة الأكبر في هذه المنطقة.

عملياً، تشكل منطقة المشاريع واحدة من المناطق الأكثر غزارة في الانتاج الزراعي، حيث تصل مجمل المساحة الخصبة فيها إلى 25 ألف دنم، مزروعة بشتى أنواع الحشائش والخضار، خصوصاً البندورة والفليفلة والباذنجان، التي انضمت اليها منذ تسعينيات القرن الماضي مشاريع كروم العنب وبساتين الدراق والمشمش وغيرها من الفاكهة.

الجولة في منطقة مشاريع القاع تظهر حجم الاستثمارات الفردية الضخمة التي أنفقت في استصلاح أراضيها الصخرية، لـ"تبعث" فيها حياة زراعية متنوعة، لعبت العوامل المناخية دوراً فيها.

كان انتاج القاع أول موسم ينزل إلى الأسواق صيفاً إلى أن حرر الجنوب في العام 2000. حينها "خطفت" زراعات الوزاني الدور الزراعي لمشاريع القاع، وبأسعار تنافسية خلقت مضاربة داخل السوق المحلية الواحدة.

تأقلم أصحاب المشاريع الزراعية في القاع مع الواقع المستجد جعلهم يقسمون إنتاجهم بين 80% منه مخصص للتصدير و20% منه للسوق المحلي، خصوصاً للمقاهي والفنادق التي أمنوا لنزلائها "انتاجاً سياحياً" بمواصفات عالية، إلى أن ضربت مواسمهم مجدداً الأحداث السورية.

يشرح وكيل مشروع Green Hill في مشاريع القاع أن الأحوال تدهورت كلياً بسبب الأحداث، لتصل إلى الحضيض مع اقفال الحدود البرية من جهتي العراق والأردن. إذ كان التجار السوريون قبلها يعمدون إلى تحميل الانتاج مباشرة من الأرض، لينتقلوا به بالاطنان إلى الأسواق العربية، لاسيما العراق الذي يعتبر السوق الأولى لنوعية "الانتاج البرار" أو الوسط بنوعيته.

لم يتمكن الشحن البحري من تأمين خط مباشر إلى العراق الأقرب إلى لبنان، وصار شحنه محكوماً بعبور أكثر من حدود قبل الوصول إلى هذه الأسواق، فأسقطت من حسابات المصدرين، لكن من دون أن ينجحوا في تأمين بدائلها، خصوصاً أن آلية الشحن البحري تفرض مشقة تكديس الانتاج في البرادات وجدولة تحميله على مواعيد العبارات. وهذا ما يغرق الأسواق الخارجية، التي تراجعت قدراتها الشرائية، لاسيما في الخليج. فإنهارت أسعار الانتاج المصدر اليها، ولم تعد العملية ذات جدوى للمزارع الباحث عن تعويض لخساراته. ما جعله يبحث عن المنافذ في السوق المحلية مجدداً.

محلياً، لم يستفز تراجع التصدير أي جهة رسمية أو خاصة لإبتداع الحلول المحلية لمشكلة تصريف الزراعات اللبنانية. وبقي التصنيع الغذائي في القاع حِرفياً، كما يقول معنيون بالقطاع، في غياب الرؤية الشاملة لتحفيز الاستثمارات في قطاع الصناعات الغذائية. ولم تجر على المستوى الرسمي مبادرات لعقد اتفاقيات ثنائية تفتح للانتاج الزراعي، ذات الجودة خصوصاً، أسواقاً بديلة، بل ألقي بالأمر على عاتق المزارع، الذي عليه أن يكون مزارعاً ومصدراً ومفاوضاً، كما يشكو هؤلاء.

وفي ظل عشوائية إنتشار الزراعات من دون رعاية رسمية تنظم مواعيد الإنتاج في المناطق وتحصرها بأماكن توفرها بالنوعيات الأجود، اصطدمت السوق المحلية بالأصناف الزراعية المشابهة المهربة من سوريا وبأسعار تنافسية. فقبل وصول اللوز اللبناني إلى الأسواق، يسبقه اللوز السوري وبسعر أقل. وكذلك البطاطا. وحتى الموز الذي يقول المطلعون إنه يصل إلى بور طرطوس من تركيا ليهرب إلى لبنان، بعدما كانت سوريا أول المتهافتين على موز الجنوب.

ويتحدث المطلعون على واقع التهريب عن تواطؤ رسمي لبناني لتمرير معظم الكميات المهربة، مقابل مصادرة حافلتين أو ثلاث بين فترة وأخرى لتغطية "الصفقات" القائمة على حساب الإقتصاد اللبناني.

غير أن الحلول التي يحاول المزارعون ابتداعها في غياب الرعاية الرسمية، لا تبدو كافية لاخراجهم من ضيق أفق التصدير. فلا هم قادرون على اهمال مزارعهم ولو لموسم أو اثنين، "لأن كلفة اصلاح الضرر حينها ستكون أعلى من كلفة زرع الأراضي منذ البداية"، كما يقولون، ولا هم قادرون على تحمل أعباء انتاج لا سوق له.

وإذا كان كبار المزارعين قادرين على الصمود في هذه الأزمة، بسبب الخبرة التي يمتلكونها في الحفاظ على بعض الأسواق، أو حتى من خلال دعم الخسارة بمصادر دخل توفرها مشاريع رديفة، فإن الضرر الأكبر يقع على صغار المزارعين الذين لن يتمكنوا من تحمل الأعباء المتراكمة لوقت أطول، كما يؤكدون. فصار يمكن الحديث عن انتاج مهمل حالياً في القاع، لاسيما من البندورة والخضار، التي يرتقب منها ثلاثة مواسم، يحاول المزارعون تأخير حصادها إلى أبعد تاريخ ممكن.

مع ذلك، يقول طوني الهبر، الذي يملك واحداً من أكبر المشاريع وأقدمها في منطقة القاع، إن هناك قدرة على "وقوف مزارعي القاع على رجليهم ما أن تفتح أسواق العراق، لأن الانتاج اللبناني يبقى الأجود، وهناك استعداد دائم لاستقباله". لكن، طبعاً شرط أن تمد للمزارعين يد الدعم والمساعدة، قبل أن ينهار القطاع بشكل كلي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها