الإثنين 2017/08/07

آخر تحديث: 00:35 (بيروت)

صلبٌ على أشرعة البواخر

الإثنين 2017/08/07
صلبٌ على أشرعة البواخر
لم يعلن مجلس الوزراء موقفه من ملف مناقصة استجرار الطاقة الكهربائية من البواخر (المدن)
increase حجم الخط decrease

لم يعلن مجلس الوزراء موقفه من ملف مناقصة استجرار الطاقة الكهربائية من البواخر. وقد ردّته مديرية المناقصات مشوباً بمخالفات جسيمة لعلّة في تجاوز القوانين والأنظمة. ولافتقاره إلى الشفافية والنزاهة. وزارة المال سارعت إلى اتفاق مع المؤسسة العامة لاستيلاد الطاقة ونقلها في سوريا لتزويد لبنان 300 ميغاواط بتكلفة قيل إنها 400 مليار ليرة لبنانية. الاتفاق وافق عليه وزير الطاقة والمياه بعد عرض من المؤسسة السورية وحوله إلى مجلس الوزراء. لم تعلن رسمياً تفاصيل أخرى عن الاتفاق. وربما بعدما ابتعد مشروع البواخر، ولو زمنياً.

تقرير مديرية المناقصات من ملف البواخر لا يترك هامش مناورة واسعاً لتجاهله في مجلس الوزراء. قد يبدو من بعيد أن على المجلس أن يطلب إجراء مناقصة أخرى في مديرية المناقصات التي أظهرت عملياً حرصاً على إنفاذ القانون والمال العام أكثر من الوزير المعني ومجلس الوزراء. لكن مديرية المناقصات لا علاقة لها بجدوى مشاريع المناقصات التي تجريها، بمقدار تطبيقها شروط المناقصات العمومية وضمان نزاهتها وشفافيتها وتنافسيتها.

ذهبنا إلى مناقصة البواخر وقام الجدل على شروط المناقصة والمخالفات التي صاحبتها. ضاعت جدوى المناقصة في الأساس. رحنا نتحدث عن اطار الصورة والصورة هي الموضوع. كان يجب أن يتركز النقاش على جدوى استجرار التيار الكهربائي من البواخر، وعلى تكلفته الكلية وديمومته. مليار و800 مليون دولار أميركي لمشروع موقت. بينما يمكننا بناء معملين لاستيلاد الطاقة في صورة دائمة. وبتكلفة أقل من تكلفة استئجار البواخر. هكذا، يقول الخبراء المعنيون. والفرق واضح هنا ولا يحتاج إلى تفسير. هو كالفرق بين ايجار منشأة وبين تملكها، خصوصاً أن تكلفة الموقت أكبر من تكلفة الدائم. الصناديق العربية والدولية جاهزة لتمويل جزء لاستكمال بناء معمل دير عمار والزهراني إلى جانب حصة الدولة وبفوائد ميسرة لمدة لا تقل عن 25 سنة. وتقديم المشورة الفنية. المعامل هي الخيار الأسلم والمنطقي والدائم. هذا ما يجب أن يؤول اليه تقرير مديرية المناقصات في مجلس الوزراء، للعدول عن خيار البواخر نهائياً.

ومن الخطأ الفادح أن نتعاطى مع الكهرباء خِدمة تقليدية كبقية الخِدمات الأخرى، قابلة للمماطلة والإهمال. وللتربح من إهدار المال والفساد. إنها سلعة استراتيجية في كل دول العالم. لزوم الحياة الانسانية والاقتصادات وكل المرافق الحيوية. هذا الاعتبار ساقط في لبنان. بدليل عدم توفر التيار الكهربائي بكفاية ونوعية جيدة منذ العام 1975. أي زهاء 42 عاماً. ثمة اعتباران آخران شديدا الأهمية لإثبات خطل الادارة السياسية لقضية الكهرباء والخيار الموقت. الأول يسقط دعوى العجز المالي والدين العام حاجزاً لتسويغ الخيار الموقت بدلاً من المستديم وبناء المعامل. فالدولة تمول بالدين عجز مؤسسة كهرباء لبنان بنحو ملياري دولار أميركي كل سنة. وتدفع فوائد على الدين. فيكون عجز الكهرباء وحده قرابة نصف عجز الموازنة السنوية وهو في حدود 4 مليارات دولار أميركي. (يقدر العجز في العام 2017 بنحو 5 مليارات حداً أدنى) ويتنكب المواطن وفق تقديرات شبه رسمية غير دقيقة أكثر من مليار دولار أميركي لشراء التيار من المولدات الخاصة. فتغدو تكلفة الحل الموقت أكثر من 3 مليارات دولار أميركي سنوياً. ومصحوباً بتلوث البيئة، وأكسدة الهواء ينتشر موبوءاً في المنازل والشوارع والزواريب. واعتلال الصحة وإفساد التربة. ولا تتوفر معلومات يعتد بها عن تكلفة تداعيات الحلول الموقتة لاستيلاد التيار الالكهربائي صحياً وبيئياً. قد يكون مصدرها الأكثر يقيناً لدى المستشفيات والصيدليات. وكل ذلك، من دون تأمين التيار موفوراً وعلى جودة.

الاعتبار الثاني، يتجاوز تكلفة استيلاد التيار الكهربائي بذاته بالغاً ما بلغت. بناء معامل حديثة تعمل على الغاز والطاقة النظيفة يؤدي إلى خفض تداعيات الحلول الموقتة على البيئة والصحة. ويفتح في آن فرص عمل كبيرة أمام خريجي الجامعات والمعاهد التقنية العاطلين من العمل. ويحد من نزوح الخبرات إلى الخارج. ذلك أن صناعة الكهرباء تستوعب أعداداً واسعة من المهندسين في مجالات شتى، ومن أكفياء في علوم الادارة الصناعية والمالية والبيئية. الحلول الموقتة خلافاً لذلك. هناك أجيال أربعة ويزيد شهدت هذه المسخرة المفضوحة المسماة كهرباءً وتقنيناً. ولا يمكن أن تكون صدفة وسهواً. لا يوجد عبء بمثقال الكهرباء وحجم ضررها الشمولي بكل الأوجه والمعاني. لم يعد هذا الملف يحتمل سمسرة سياسية ومالية وانحطاطاً أخلاقياً، ومهانة انسانية.

بقيت كلمة. افتقد اللبناني من زمان رجلاً في الادارة العامة نزيهاً وشهماً يقول لا للسلطة السياسية الفاسدة. يوصف مدير المناقصات جان العلية مشكلته "أخجل من تعريف نفسي مديراً للمناقصات لسؤ سمعة المناقصات"، على ما قال لإحدى الإذاعات. كشف أيضاً أن "كل استدراجات العروض لمديرية المناقصات تأتي بطابع العجلة. لا نؤخر المعاملات. نريد التنافس في العروض. من يقول غير ذلك يريد عارضاً واحداً. مشاريع التراضي كذلك، لإمرارها من خارج مديرية المناقصات". ختم.

هذا كلام في المباشر وخطِر. والواقع أن تقرير مديرية المناقصات إلى مجلس الوزراء فيه أخطر من ذلك لو تمحص "النُجُب" في المجلس مضمون التقرير، خصوصاً أنه قد بُني على إحالة من مجلس الوزراء. من الحمق أن يتجاهل المجلس التقرير ويمضي في صفقة البواخر الموقتة والمشبوهة والمكلفة. لا نستبعد ذلك "لصعوبة تفكيك ارتباطات الصفقة". أما الأحمق، فأن يبدأوا بالكيد لمدير في الادارة العامة، تحلى بالشجاعة والاستقامة، ليصلبوه على أشرعة بواخر الكهرباء!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها