الإثنين 2017/08/28

آخر تحديث: 00:05 (بيروت)

وزير المال والنقاش في المحظور

الإثنين 2017/08/28
وزير المال والنقاش في المحظور
هل بات وزير المال غير مقتنع بجدوى الهندسة المالية؟ (المدن)
increase حجم الخط decrease

ثلاثة فقط في لبنان يعلمون حقيقة الوضعين المالي والنقدي. أولهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري.

وكي لا نثير حفيظة وزير المال علي حسن خليل، سنقول إنه على إلمام بالأرقام المالية. فهو الوزير المختص والمسؤول. بيد أن السؤال المهم، هل لدى وزير المال تصور عن دقة الأوضاع المالية والنقدية، وعن حجم تداعياتها لو قُدر لها أن تتفاعل سلباً مع أحداث سياسية وأمنية لا نملك مفاتيحها وأقفالها؟ نحسب التصور بدأ يتشكل لديه. دليلنا أن وزير المال بحسب ما نقل عنه لن يوافق على "استعمال سندات الخزانة التي تصدرها وزارة المال في منتج مركّب يصدره مصرف لبنان. فالمصرف لم ينسّق هذه العملية مع وزارة المال. ولم يبحث معها اصدار هذا المنتج. لذلك، فالوزارة غير معنية بأي التزامات قد يرتّبها مصرف لبنان باصدار سندات خزانة بالليرة تتجاوز برنامج المزادات الدورية المعتمد لتأمين حاجاتها لتمويل عجز الموازنة العامة".

كان وزير المال يتحدث عن واحدة من هندسات مصرف لبنان المالية تجزي محصلتها مقيمة بالليرة والدولار الاميركي فوائد بنحو 12 في المئة للمصارف المشتركة فيها. لا تختلف الهندسة عن أخريات بدأت في حزيران 2016 ودرّت فوائد للمصارف بنحو 5.6 مليارات دولار اميركي. "تسهيلات على الليرة اللبنانية وفوائد ما شئتم لقاء ودائع بالدولار الاميركي أو تجديد ودائع سابقة. واشتروا في مقابل فيض الليرة سندات خزانة من وزارة المال".

لافتاً كان رد خليل. ومرة أولى يأتي بمثله وزير مال. ولو كان حمّال أوجه في جوانب ثلاثة. الأول، وصف منتج الهندسة المالية "مركباً". وبصيغة المستقبل تحدث أنه لن يقبل "استعمال سندات الخزانة في هذا المنتج". والثاني، أن مصرف لبنان لم يبحث المنتج مع الوزارة. والثالث أن وزارة المال غير معنية بالتزامات تفوق حاجات تمويلها. كلام كبير لم يقربه وزير مال منذ بدأت الدولة اصدارات سندات الخزانة في ربيع 1978. أي منذ نحو عقود أربعة.

أولاً: وصف منتج مصرف لبنان "مركباً" يعني بتفسير "النوايا الحسنة"، منتجاً متعدد الرؤوس. يتفرع عن كل رأس آخر. وفي عملية التفريع ينتج فوائد ومنافع مصدرها النهائي وزارة المال ومصرف لبنان. أي المكلَف اللبناني. ولأن صفة المركب تنطبق فعلاً على هذه المنتجات، فنلفت نظر الوزير إلى أن نتائج الهندسة المالية الشهيرة السابقة ولأنها مركبة، لم تنجم عنها أرباح بواقع 5.6 مليار دولار اميركي فقط. بل قاربت أكثر من 15 ملياراً لو احتسب المبلغ المذكور باعادة توظفيه من جديد في سندات خزانة لآجال تصل الى خمس عشرة سنة.

في تفسير "سوء الظن من حسن الفطن"، يقترب المنتج المركب من منتجات المشتقات المالية المؤكسدة التي كانت فتيل اندلاع الأزمة المالية في الولايات المتحدة والعالم الصناعي 2008. مع فارق بسيط في الشكل ومعقّد في المضمون. هناك كانت الأزمة على خلفية الرهونات العقارية لعملاء لا يملكون سجلاً ائتمانياً. ولعب تأرجح الفوائد دوراً مؤثراً في الأزمة. وتكبد دافع الضريبة الاميركي في النهاية ثمن درء الافلاس الكبير لأكبر دولة في العالم وأثرى. عندنا، الدولة هي العميل المالي. وتملك سجلاً مالياً مثقلاً بدين من نحو 140 في المئة إلى الناتج. وسياسة تثبيت لسعر الصرف بات يشتري هو الآخر استمراريته بمزيد من الدين ليرة وعملات أجنبية. في الولايات المتحدة لم تكن الدولة ضامنة عمليات المشتقات المالية المركبة. ولا سياسة تثبيت سعر الصرف. في لبنان الدين بكفالة الدولة. ومصرف لبنان ضامن أوراقه المالية وودائعه للغير.

ثانياً: هل بني رفض وزير المال المنتج على علة عدم تشاور مصرف لبنان وإياه؟ وهو المعني المباشر بمال الدولة، ولا يجوز تجاوزه قانوناً ولا عُرفاً في شأن يمس مسؤولياته في هذا الحجم. أم أن الوزير بات غير مقتنع بجدوى الهندسة المالية وشفافيتها وأعبائها؟

ثالثاً: أما اشارة وزير المال إلى أن الوزارة "غير معنية بالتزامات تفوق حاجات تمويلها"، ففيه كلام كثير عن العلاقات في قبو المال والنقد. وقد قصد الأخير أن الوزارة لن تشتري سندات خزانة بما يفوق حجم عجزها المضطرة لتغطيته بسندات دين. حق وزير المال في موقفه هذا مدعوم بكل ثبت الإسناد والمنطق والمسؤولية. وإلاّ، كيف تقبل وزارة المال مزيداً من الدين بما يفوق حاجات تمويلها، وتركب مزيداً من الفوائد على خزانة عاجزة، وكيف يمكن بت قرار كهذا يحمّل للوزارة من دون التشاور معها؟

هذا الموقف يعيدنا إلى صلب الأزمة وعلاقة وزارة المال بمصرف لبنان. وعلاقة سياسة تثبيت سعر الصرف بتراكم الدين العام. مصرف لبنان هو وكيل الوزارة في اصدhرات السندات. ينسق وإياها في هذا المجال. لكنه لا يقرر الاستدانة بنفسه ويرتب ديناً على وزارة لا يتحمل مسؤوليتها ادارياً وسياسياً. لكننا نعيش واقعاً غير سليم منذ عقود في العلاقة بين الدين وسياسة التثبيت. نعم لا يجوز أن نزيد عبء الدين طالما أن حساب الخزانة الرقم 36 الشهير في مصرف لبنان فائض عن حاجة الخزانة ومدفوعة فوائد عليه.

الحلقة الجهنمية اسمها العجز المالي ائتلفت مع سياسة تثبيت سعر الصرف. العجز لا يُسأل عنه مصرف لبنان. مسؤولية وزارة المال في المبدأ وليست هي سببه أيضاً. كل عجز يرتد على النقد. وزارة المال بحاجة إلى تمويله طالما استسلمت الدولة لمصادرة مواردها والفساد. ومصرف لبنان في حاجة إلى خفض الكتلة النقدية بالليرة لنجاح سياسة التثبيت. الكل فهم اللعبة. الحافز هو الفوائد. لكنها لم تعد كافية. ركيزة سعر التثبيت فائض ميزان المدفوعات. أي خزين العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان والمصارف. الميزان عاجز منذ 2011. ونمو الودائع المصرفية نحو 7 في المئة. عوامل الترابط في معادلة الدين والسندات وتثبيت سعر الصرف في مأزق حقيقي الآن. المخاطر هيكلية في بعض المؤسسات المعنية. لا العجز المالي ضُبط. ولا سياسة التثبيت مكينة. القرار السياسي ضعيف. الدولة وهِنة كياناً وقدرات. سلامة حرس الهيكل من زمان بارادة سياسية. لا يمكن أن يهندس بلا تأثير على المالية العامة والكتلة النقدية. وزارة المال تقول لا غير مسبوقة. مليارات الدولارات التي دخلت في الهندسة المالية الشهيرة بدأت تخرج تباعاً من الجهاز. إما لاستحقاقها. وإما لأسباب أخرى. ما العمل؟

لا توجد حلول خارج وقف الإهدار، والفساد، والتهرب الضريبي، وتصويب الإنفاق وخفضه. وبلا سياسة إقتصادية متناسقة مالياً ونقدياً واجتماعياً تتبناها الحكومة. هل فتح وزير المال النقاش في المحظور؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها