الأحد 2017/08/27

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

هدية جديدة للبنوك: إلى متى مصرف لبنان خارج المساءلة؟

الأحد 2017/08/27
هدية جديدة للبنوك: إلى متى مصرف لبنان خارج المساءلة؟
المصارف اللبنانيّة ستستفيد من تسهيلات وقروض بالليرة اللبنانيّة (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease

في إمكان القطاع المصرفي الآن أن يستفيد من هندسات ماليّة جديدة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وستستطيع المصارف أن تحقّق مجدّداً أرباحاً استثنائيّة من المال العام، بفضل هذا النوع من العمليّات غير الاعتياديّة.

الهندسات الجديدة ستتبع نموذجاً مختلفاً عن هندسات السنة الماضية، إذ سترتكز على منح المصارف أرباحاً من فرق فوائد عمليّات إيداع واستدانة. أمّا نسبة الربح الاجمالي المتوقّعة هذه المرّة لمصلحة المصارف فستبلغ نحو 11.8% سنويّاً.

أرباح مجّانيّة من فرق الفوائد
يقول تعميم مصرف لبنان، الذي صدر الجمعة في 25 آب، إنّ المصارف اللبنانيّة ستتمكّن من الاستفادة من تسهيلات وقروض بالليرة اللبنانيّة، بفائدة منخفضة جدّاً مقدارها 2% سنويّاً. أمّا غاية القروض بالليرة، فستكون استعمالها لشراء سندات خزينة (أي إقراض الخزانة)، تستفيد من خلالها المصارف من نسبة فائدة تبلغ كمتوسّط 7% سنويّاً.

بالتالي، تكون المصارف قد حقّقت ربحاً مجّانياً في هذا الجزء من العمليّة تبلغ نسبته 5% سنويّاً، من مبلغ يُفترض أن يكون أساساً قرضاً للمصارف. وتساوي هذه النسبة الفرق بين فائدة القرض على المصارف وفائدة سندات الخزينة لمصلحة المصارف.

أمّا في الجزء الآخر من العمليّة، فستضع المصارف خلاله ودائع بالدولار الأميركي لدى المصرف المركزي بقيمة موازية لقيمة القرض، لمدّة لا تقل عن خمس سنوات، وتتقاضى فائدة الودائع لدى مصرف لبنان التي تبلغ كمتوسّط 6.8%.

وبالمحصّلة، ستبلغ نسبة الربح الاجمالي لدى المصارف من هذه العمليّة 11.8%، من أصل قيمة الإيداع بالدولار الأميركي وقيمة القرض الموازي له بالليرة اللبنانيّة.

استحقاقات سابقة
في التحليل الأوّلي، لا يمكن فصل الخطوات التي يقوم بها مصرف لبنان اليوم عن الخطوات السابقة. فوفق مصادر مصرفيّة، جزء كبير من أموال كبار المودعين بالدولار الأميركي، والتي تم توظيفها في إطار "هندسات" السنة الماضية تستحق خلال هذه السنة. ما يمكن أن يؤشّر إلى علاقة بين هذه الاستحقاقات والهندسات الجديدة التي تحاول استقطاب ودائع بالدولار الأميركي بكلفة مرتفعة.

لكنّ السؤال هنا يجب أن يكون تحديداً عن كلفة الاستمرار في هذا النوع من السياسات والجهة المستفيدة منها. إذ بلغت أرباح المصارف من هندسات السنة الماضية نحو 5.6 مليارات دولار. وبلغت أرباح مصارف عدّة من هذه الهندسات خلال السنة الماضية ما يفوق أرباحها التشغيليّة العاديّة خلال عام كامل.

من ناحية أخرى، تسأل مصادر مصرفيّة جدّياً عن أثر هذا النوع من السياسات غير التقليديّة على سوق النقد وتوازنه، خصوصاً أنّ جهات دوليّة، مثل صندوق النقد، حذّرت من آثار هذا النوع من السياسات، لجهة تقليص السيولة بالدولار الأميركي مقابل ضخ كمّيات من السيولة بالليرة اللبنانيّة.

في خدمة الاقتصاد الريعي
يوضّح الباحث الإقتصادي نبيل عبدو أن تنفيذ هذه الهندسات سيعتمد على موافقة وزير المال علي حسن خليل على استعمال سندات الخزانة في إطار هذه العمليّات، رغم أنه كان قد صرح سابقاً أن مصرف لبنان لم ينسّق هذه العملية مع وزارة المال. بالتالي، وزارته غير معنية بأي التزامات تتجاوز برنامج المزادات الدورية المعتمدة.

ويعتقد عبدو أنّ هذه الهندسات تُعد "أرباحاً مجّانيّة للمصارف، وتؤكّد فكرة أنّ أرباحها مرتبطة بمديونيّة الدولة. فما يجري اليوم بشكل صارخ كان يجري في السابق بشكل أخف وطأة، عبر تمويل أرباح القطاع المصرفي من مال الدولة عبر الدين العام".

ويذكّر عبدو بتقرير سابق لصندوق النقد، كان قد أكّد تكبّد مصرف لبنان تكاليف كبيرة جرّاء هذا النوع من السياسات. يضيف: "لكنّ التعامل يتم اليوم مع مصرف لبنان كأنّه مؤسسة غير معنيّة بالشأن العام أو المال العام، أو كأنّه ليس جزءاً من المؤسسات العامّة التي يجب أن تكون خاضعة للمساءلة أمام المواطنين".

وعن أثر ارتفاع أسعار الفوائد الذي قد يتبعه امتصاص السيولة عبر هذا النوع من السياسات، يشرح عبدو أن "رفع الفوائد بهذا الشكل سيدفع أصحاب الرساميل إلى الاستفادة من أموالهم عبر إيداعها في المصارف أو شراء سندات الخزانة، عوضاً عن أخذ المخاطر واستثمارها في المشاريع المنتجة".

بالتالي، "الأثر الطبيعي هنا هو تشجيع الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد المنتج. فلماذا يلجأ المستثمر إلى المشاريع الاقتصاديّة إذا كان هناك باب للأرباح المضمونة؟ نحن لا نقدّم هنا أي محفّز للاستثمار". ويلفت عبدو إلى أنّ هذا النوع من الهندسات يستقطب الودائع بشكل اصطناعي عبر الفوائد والعائدات المرتفعة، ولا يعكس نمو الودائع هنا أي نشاط اقتصادي يُذكر.

هل يستمر النموذج المالي؟
منذ نهاية الحرب، يعتمد النموذج المالي للدولة على تمويل الدين العام من تضخّم القطاع المصرفي. وقد تراكمت أرباح القطاع من فوائد الدين العام التي فاقمت العجز في الميزانيّة العموميّة. وبتضخّم الفوائد المستحقّة سنويّاً والعجز الذي تولّده، أصبح النموذج المالي يدور في هذه الحلقة المفرغة.

هدّد تفاقم عجز ميزان المدفوعات وانحسار التدفّقات الماليّة إلى لبنان منذ العام 2011 استمراريّة هذا النموذج ودورته المفرغة، وأصبح مصرف لبنان مضطرّاً إلى تمويل استقطاب الودائع بالعملات الأجنبيّة بهذه الكلفة العالية، التي أنتجت قدراً هائلاً من التضخّم في أرباح المصارف.

فإلى متى سينجح في إبقاء هذا النموذج صامداً؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها