الإثنين 2017/08/21

آخر تحديث: 00:57 (بيروت)

"العبث البرتقالي" في الإدارة والمؤسسات

الإثنين 2017/08/21
"العبث البرتقالي" في الإدارة والمؤسسات
لم نشهد بعد موظفاً فاسداً أطيح (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

أقال مجلس الوزراء رئيس مجلس الشورى السابق القاضي شكري صادر ونقله إلى رئاسة غرفة في محكمة التمييز. شبه الاجماع على إقالة الرجل يوحي أنه قاض آدمي وذو شمائل. لسنا في حاجة إلى دليل أسطع من ذلك. وفي وسعنا أن نستدعي كثيراً من القرارات التي اتخذها صادر تعارض قرارات وزراء اعتبرها تجاوزاً لحد ممارسة السلطة أو مشوبة بعيوب مالية وقانونية وذات منافع خاصة.

كنا نود من الرجل ألاّ يستقيل من السلك القضائي، ويخوض معركة القضاء الحقيقية لاستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية كما يقول الدستور. هكذا أيضاً نطالب القضاة المعترضين على المسّ بصندوق تقاعد القضاة "لأن ما يؤخذ كله يؤخذ جُله". فيرتقون إلى مقام القضاة الذين تمردوا في بداية الثمانينات على السلطة السياسية من بينهم الراحلان الشجاعان يوسف جبران وحسن قواس. وآخرون في مقدمهم منيف حمدان. المواطن يبحث عن رجل في القضاء يقول لجريصاتي ولمن يشد أزره لك القصر خذه. ولنا العدل باسم الشعب والدستور نحرسه.

هناك فصل جديد الآن من فصول الانقضاض على الدولة ومؤسساتها وعلى موظفيها الشرفاء. نخالهم يكيدون للمدير العام للمناقصات جان العلية. للاتيان ببديل لا نعرفه. لكن الشرفاء لا يرتضون مراكز بديلة لأمثالهم من شرفاء اقتُصّ منهم تعسفاً عزلاً ونقلاً. المدير العام للمناقصات تجرأ على قول الحقيقة، وجبه وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل، وكشف المستور لمجلس الوزراء مجتمعاً في صفقة استجرار الكهرباء من البواخر. مالياً وقانونياً وشفافيةً ونزاهةً. الصفقة من نحو مليار و777 مليون دولار أميركي. يصر وزير التغيير والاصلاح على إمرارها خلافاً لرأي إدارة المناقصات. قال مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة إنه أطلق مناقصة جديدة. وهناك 15 يوماً لتقديم العروض. كلما ضاقت مهلة العروض كلما انعدمت الشفافية. العارض الوحيد الذي رفضت إدارة المناقصات فض عرضه المالي جاهز لا شك. فالعروض التقنية والإدارية تولاها مستشارو وزير الطاقة والمياه. المناقصة تشبه كثيراً مناقصة الميكانيك المشهورة. يقر الوزير بأنه عدّل دفتر الشروط بناء على طلب العارضين ورداً على أسئلتهم. إدارة المناقصات ترى ذلك خلافاً للقاون أولاً، وثانياً لأن التعديلات لم تقترن بموافقة مؤسسة كهرباء لبنان ولم تنشر في الجريدة الرسمية وفي صحف ثلاث أخرى.

والمبدأ، أن لا سلطة على سلطة رقابة. مجلس الوزراء لا صلاحية له على مؤسسات الرقابة. غير ذلك يفقد سلطات الرقابة مسوغ وجودها لو خضعت لرقابة السلطة التنفيذية. وإدارة المناقصات تتبع التفتيش المركزي الذي يمارس أعمال السلطة الرقابية عبر التفتيش المالي والتربوي والإداري وخلافها. تقرير إدارة المناقصات أظهر ذلك صراحة. هناك بينات وقرائن أثبتها بعدم جواز إتمام الصفقة لأن عرضاً وحيداً بقي ولا تنطبق عليه شروط المنافسة. بموجب قانون المحاسبة العمومية فالصفقة تفتقد صفة المناقصة واستدراج العروض معاً. "ليس من اختصاص الوزير بموجب الدستور (المادة 66) أن يأمر إدارة المناقصات وينهي ويطلب" على ما جاء في التقرير.

ما يحصل اليوم في الإدارة العامة أمر غير مألوف حجماً ونوعاً. نفهم من دول النظم السياسية المتقدمة الديموقراطية أو الشبيهة بها، أن الحزب الفائز في الانتخابات العامة يتسلم مقاليد السلطة. رئاسة جمهورية أو رئاسة مجلس وزراء. يختار رأس السلطة الحكومة وإدارته العليا من أعضاء في الحزب أو من مقربين منه ومن مستقلين. ذلك أن البرنامج الذي أوصل الحزب إلى رأس الحكم تشرف على تنفيذه سلطة متجانسة حداً أدنى بما يستجيب رغبة الناخبين. ومدعومة بأكثرية نسبية أو موصوفة من مجلس النواب. استثناء القاعدة ألاّ يحوز الحزب الفائز بأكثرية كافية تخوله تأليف حكومة. فيذهب إلى حكومة ائتلافية.

لبنان لا يشبه هذه الحال. كونفدرالية الطوائف عندنا انتخبت ميشال عون رئيساً للجمهورية، وجاءت بنبيه بري رئيساً لمجلس النواب وسعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء. الدستور يقول بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين. والعرف كرّس طائفة رئاسة المؤسسات الثلاث تراتباً. يعني لا يوجد في لبنان انتقاص من حقوق طائفة من خارج المعادلة المذكورة. وقد ضمنت أيضاً المناصفة في مراكز الفئة الأولى في الدولة. لذلك، فمقولة "حقوق الطائفة" عباءة سياسية ورياء سياسي لا علاقة لهما بحقوق الطوائف ورعاياها.

كان عون يقول إن حقوق المسيحيين لا تتجسد إلاّ بشخصه. ووصل إلى الرئاسة كما نعلم من دون خاتم البطريركية وبابا روما. عيّن من عيّن في فريق عمله من تياره السياسي أو من مقربين منه. هذا حقه. وكان لتياره من تعيينات الإدارة العليا من المراكز المسيحية ما شاء خلال شهور معدودة. وفي التشيكلات الديبلوماسية أيضاً. الأمر نفسه في مؤسسات ذات صفة عامة ومصالح مستقلة وغيرها. التشكيلات القضائية والمراكز الأخرى الشاغرة، أو انتهت ولاية مجالس إداراتها في مؤسسات شبه عامة على حالها، لأن حصة المسيحيين فيها لا تتجسد إلاّ باللون البرتقالي. ولم نشهد بعد موظفاً فاسداً أطيح. وما زال "الاصلاح والتغيير" نشيداً ممجوجاً ومحابياً.

بنى فؤاد شهاب المؤسسات والدولة. اهمها مصرف لبنان والتفتيش المركزي والمالي ومديرية المناقصات ومجلس الخدمة المالية والمعهد الوطني للإدارة والانماء. الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وأعاد تأسيس ديوان المحاسبة على قواعد عصرية. وضع اللبنة الأولى في بناء الجيش وهياكله على قاعدة لا علاقة لها بالطوائف. وكان شغوفاً باعادة توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية. لم يكن له حزب. ولا أنسباء ولا أزلام. مازال الناس يذكرونه حامياً "الكتاب"، التعبير المقتبس عنه للدستور. والأهم كان نصير الموظف المنضبط والشريف حتى ولو ردّ له طلباً. إلامَ يستمر هذا العبث في الادارة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها