الإثنين 2017/08/14

آخر تحديث: 00:28 (بيروت)

حوارٌ على حبل نظام الأزمات

الإثنين 2017/08/14
حوارٌ على حبل نظام الأزمات
روابط الأساتذة والمعلمين تحاور المسؤولين منذ عقود (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

لا ندري مسبقاً مخرجات الحوار الموسع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون، الاثنين، في القصر الجمهوري، لمناقشة قانوني سلسلة الرتب والرواتب والضرائب اللذين أقرهما مجلس النواب وأحالهما إلى الرئيس. لكن علينا بالعقل والمنطق ألاّ نتوقع نتائج باهرة. وللرئيس لو شاء أن يستخلص ما يساعده على تقرير موقفه من إصدار القانونين أو أحدهما بمرسوم. أو ردهما إلى مجلس النواب معللاً بطلب تعديلات.

واضح أن الرئيس يتهيب ردّ القانونين أو الموافقة عليهما. نعلم أن هناك تقارير رفعت إليه عن دقة الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية. ولا نعلم اذا ما كان في متناوله تقارير صادقة عن تدهور اوضاع الناس الاجتماعية. عن حال الضيق والعوز التي تستبيح الناس إلى حدّ المهانة. الفساد. حقوق الدولة. لن نتناول توقيت الحوار قبل أيام معدودة على نهاية حق الرئيس الدستوري لاتخاذ قراره. بل عن أساسات القرار السياسي لإعمال المؤسسات الدستورية. ليصبح متاحاً إنشاء الهيكل لسياسة اقتصادية واجتماعية لزوم استمرار الاستقرار الاجتماعي والوطني. ولجبه فقاعة دين أكبر من لبنان. ولتوظيف ثروة أكبر من اقتصاده. دليلنا، أن ديننا أكبر من ناتج الوطن بنحو 140%. وأن ودائع المصارف تتجه إلى أربعة أضعاف الناتج المحلي. وتقول لنا بالرقم حتى مع اعتبار ودائع غير اللبنانيين من ودائع غير المقيمين بأننا لسنا بلداً مفتقراً. توزيع الثروة هو الداء. وهذه ليست مهمة أصحابها. هي مهمة الدولة العادلة والقادرة والنزيهة. المسؤول المرفوع الجبين وغير الفاسد.

سنبقى نكتب دائماً وكأننا في دولة مكتملة الاركان بإنفاذ أحكام الدستور. بالرغم من كل المضادات الحيوية التي تُظهر العكس. ماذا يعني حوار اللحظة الأخيرة الذي يدعو إليه رئيس الجمهورية على قانونين عبرا مشروعين في مجلس الوزراء وصدقهما مجلس النواب؟ غير تشتت الدولة ومؤسساتها الدستورية وعجز نظام سياسي بأكمله عن اتخاذ القرارات الكبيرة. ما نراه نتائج وليس أسباباً. وسنرى كثيراً منها بعد.

بعد سنوات خمس على قضية سلسلة الرتب والرواتب سلك القانونان المسار الدستوري حتى إحالتهما إلى رئيس الجمهورية. في استثناء المادة 50 من قانون العمل المتعلقة بالصرف الكيفي، لا نذكر كمثل سلسلة الرتب والرواتب قضية استحوذت كل هذا السجال. ولم يشهد الشارع تحركات نقابية واضرابات لتحقيق مطلب ذي طبيعة اقتصادية اجتماعية ومالية كمثل ما شهده في السلسلة. ورغم توصيفها محقة وعادلة، أعرض مجلسا الوزراء والنواب عن تلبيتها. حتى إذا تراكمت الحقوق وباتت مكتسبة، راحت منظومة المجلسين تحذران من جسامة أعبائها. زاد من الأعباء تشابك الحقوق في سلاسل مدنية وعسكرية ومتقاعدين ومتعاقدين. هنا برزت مشكلة التمويل.

الأعباء المالية واقعة بالسلسلة ومن دونها. التهويل بمخاطرها وظهور السلطات المعنية عاجزة عن تأمين تمويلها رغم الإقرار بأحقيتها، إنما إعلان رسمي باستسلام دولة بأكملها لمنظومة الفساد والسرقة. والاعتداء على حقوق الخزانة والناس. الخطورة الحقيقية هنا قبل بلوغ قانون الضرائب الجديدة. وأخطر ما فيها أنها تحض مطارح الثروة على رفض الضريبة وتضييق الوعاء الضريبي والتهرب من التكليف، ما برحت منظومة الفساد المالي والاداري والسياسي الخصم والحكم. الأمر لا علاقة له بسلسلة ومطالب وترًهات فارغة. لذلك لا يمكن النظام إنتاج قرارات وقوانين مرضية للناس وقابلة للتنفيذ. منذ متى كان الناس يصفقون للضريبة. الضريبة تُفرض في دولة عدل وقانون. النظام الفاسد يعجز عن تكليفها وفرضها وجبايتها أيضاً.

ثم، من قال إن موارد تمويل السلسلة المفترضة بأكثر من مليار دولار اميركي ستكون مؤمنة. فالموارد المفترضة هي غير المحققة فعلاً في نهاية سنة مالية. وكي تتحقق فالمعادلة معروفة. هناك عوامل ارتباط بين إيرادات الضريبة المحققة وبين حجم النمو الاقتصادي لا يمكن الفصل بينها. في صرف الاعتبار عن عدالة الضرائب وعدالة التكليف اللتين لحظهما قانون الضرائب فهي ستكلف كل اللبنانيين. بينما تقديمات السلسلة خلاف ذلك. كل العاملين خارج القطاع العام والعسكر وقوى الأمن ليسوا مشمولين بالسلسلة عدا أساتذة ومعلمي القطاع الخاص.

إقرار السلسلة من ضمن قانون الموازنة متوجب ومطلوب. لكن نحسب أن ربط السلسلة بالموازنة قد يطيح السلسلة لو استعصى إقرار الموازنة من دون قطع حسابات اثنتي عشرة سنة منذ 2005. ولتوخي الدقة ثلاث عشرة سنة. فموازنة 2005 أقرت في 2006. وأنفقنا في السنة المذكورة شهوراً وفقاً للقاعدة الإثنتي عشرية قبل إقرار موازنة 2005 قانوناً ونشرها في الجريدة الرسمية. في الحالين نحن في الشهر الثامن من 2017. لن توّصف هذه السنة سنة موازنة حتى لو أقرت الموازنة قانوناً. الأمر نفسه ينطبق على قانوني الضرائب وسلسلة الرتب والرواتب. نعم كل النفقات والواردات في السنة المالية يجب أن تكون مشمولة بالموازنة. لكن من أين نبدأ. بالسلسلة أم بالموازنة؟ وفي الحالين ما النتيجة؟

سيرفع المتحارون في بعبدا سقف مطالبهم أمام الرئيس. أحسب أن الأب بطرس عازار حارس المدارس الكاثوليكية، "سيعرض نضاله في سبيل تعليم التلامذة الفقراء من أبناء الرعية. فيلحق من مكرماته رذاذ بأبناء الوطن عموماً". لن يمثل أحد أساتذة التعليم الرسمي ولا موظفي القطاع العام. أظن مستشاراً رجعياً همس في أذُن الرئيس بعدم دعوتهم. ولو فعل لكرس الحق النقابي الممنوع على موظفي القطاع العام. "موهوب وذكي المستشار". غفل عن أن روابط الأساتذة والمعلمين تحاور المسؤولين منذ عقود. بقي الرئيس أن يقول كلمته. ويبقى الوطن معلقاً على حبل نظام بات هو الأزمة يهدد كيان الدولة والوطن عزيزاً كريماً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها