الأربعاء 2017/07/26

آخر تحديث: 00:21 (بيروت)

الأملاك العمومية.. تبييض في بيت المال

الأربعاء 2017/07/26
الأملاك العمومية.. تبييض في بيت المال
ما بُني على باطل فهو باطل (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

هل يمكن أن يحصل تبييض الأموال في بيت المال الشرعي؟ هل يمكن لحكومة ومجلس نيابي أن يفرضا غرامات على عمليات يتربح منها مخالفون لقانون "تبييض الأموال وأموال الارهاب" تتصل بمصادرة أموال منقولة وغير منقولة تعود ملكيتها إلى الدولة والمواطن ويكتفيان بفرض الغرامات؟

نطرح السؤالين على خلفية قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أقره مجلس النواب أخيراً، وفرض بموجبه غرامات على المعتدين على الأملاك البحرية والنهرية العمومية "من دون أن يكسبهم حقوقاً شرعية من تلك الاملاك"، على ما جاء في مضمون القانون. التفسير سهل ولا يحتاج إلى راسخين في علم القانون، وخلاصته: "استمروا في اغتصاب حقوق الدولة والمواطن. لكن عليكم دفع الغرامات في المقابل"! أي أن المرتكب ماضٍ في سبيله تكراراً، تقابله غرامات مالية أقرب إلى الحوافز منها إلى العقاب. ماذا لو تمّ تعميم القاعدة على غيرها من الجرائم؟ وكثير منها أقل أهمية، تتعلق بسيادة الدولة على أصولها وموارد خزانتها، على دستورها وشرعية وجودها وهيبتها.

"قراراً صدر وأُفهم علناً" قانون السلسلة. كما في خاتمة نص قرارات القاضي الجالس. الحكومة ومجلس النواب أعلنا بوضوح: "لا نريد استرداد الأملاك البحرية والنهرية. ولا نريد وقف الإهدار المالي وسرقة المال العام. أقصى ما يمكن تقديمه لتمويل السلسلة لائحة الضرائب والرسوم هذه. فالخزانة عاجزة. وغارقون في الدين العام. والبلد لا يتحمل انهيار سعر الصرف. لبنان في أكمله على شاشات مكافحة تبييض الأموال وأموال الارهاب. الخطأ ممنوع. سنترككم تتظاهرون في الشارع على هواكم. ونتصرف نحن على هوانا". وقاحة؟ أبداً. إنها مفردة تورية في اللغة عن الفحشاء بعينها في ما يتصل بالأملاك البحرية والنهرية. تعريف تبييض الأموال بموجب القوانين الدولية المعنية والقانون اللبناني رقم 318 وتعديلاته، هو في اختصار تجميع كل عمل غير شرعي يعاقب القانون عليه، وتتأتى منه أموال منقولة وغير منقولة على اختلاف أنواعها وتوصيفها وتدخل إلى الجهاز المصرفي. يتغير لونها من الأسود إلى الأبيض فتشرع وتكتسب حقوق الايداع والتسليف والتبادل والاستثمار وكل أنواع المنافع الأخرى.

في المادة الثانية من قانون 318 يعتبر تبييض أموال "إخفاء المصدر الحقيقي للأموال المنقولة وغير المنقولة، واعطاء تبرير (مسوغ) كاذب مع العلم بأن الأموال موضوع الفعل غير مشروعة". تصوروا. ما سبق ذكره من القانون يفترض أن المرتكب يخفي- في طبيعة الحال- جرمه بافادة كاذبة لما ارتكبه. المعتدون على الأملاك البحرية والنهرية عندنا مغتصبون إياها علناً. حولوها استثمارات متعددة الأوجه والمنافع من النهر الكبير شمالاً حتى الناقورة جنوباً. يتربحون منها ويعربدون على أملاك عمومية وخاصة مجاورة. هؤلاء تجاوزوا القانون 318 الذي افترض فيه المشترع ميل المجرم والمرتكب دائماً إلى الافادة الكاذبة خيفة. التعاطي معهم على قاعدة الغرامات ينقلهم إلى موقع آخر شبه شرعي. تحجز سيارة على مخالفة قانون السير. يكتفى بتغريم المخالف بعد التأكد من أوراق ملكيته السيارة أو من وكالة قانونية. لكن خلافاً لذلك، أين هي مستندات الملكية على الأملاك البحرية والنهرية؟ وكيف يشرعن استثمارها لتكلف ضريبة وغرامات؟

ذلك النوع من المؤسسات لا يحق له الافادة من كل الخدمات الأساسية ليستمر أصحابها في مخالفاتهم واعتداءاتهم على الحيازات العمومية. لكنهم يعاملون بأقل ممن يخالف قانون السير. لا يحتاج المواطن إلى جهد كبير ليدرك مصدر القوة والنفوذ والإسناد الذي يتمتعون به من السلطات الفاسدة الأوليغارشية. نعم هذا الملف يمول سلاسل رتب ورواتب. يؤمن وحده مليارات الدولارات ويستبقي فائضاً لبرامج اجتماعية وصحية للمواطن على شفا الاهتلاك. لم يجرؤ وزير ولا نائب على المطالبة بفتح هذا الملف تمهيداً لإنهائه مرة واحدة وقفله. المناقشات الواسعة استغرقتها الغرامات. لكن لماذا التركيز على الأملاك البحرية والنهرية فقط والصمت المطبق على الأملاك البرية المستباحة في كل المناطق اللبنانية؟ عشرات ملايين الأمتار المربعة من الأملاك البرية العمومية معتدى عليها أيضاً. إنما بعضها باخراج ذي صفة شرعية. أراضٍ شاسعة تحولت بقرارات رسمية استثمارات زبائنية لمدة 99 عاماً. أقل أو أكثر. في مقابل مبالغ بخسة. وهي أيضاً مصدر إهدار وسرقة مقنعة للمال العام. وبعضها الآخر موضوعة عليه اليد عنوة وسلبطة. وهذا بدوره يدخل في تبييض الأموال لو تبين لهيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وأموال الارهاب أن أسعار استثمار تلك الأملاك أو أن حيازة أصحابها الحقوق كانت زهيدة. وسيتبين نجزم.

المشكلة الكبيرة ليست وقفاً على شكوك تحيط بتييض أموال من أملاك عمومية. حصول بعض الاستثمارات على تراخيص بقيم شبه وهمية، واعتراف مجلس النواب الضمني بحقوق المؤسسات المعتدية على الأملاك العمومية من دون أن يكرسها، بدليل تحميلها غرامات كناية عن موجبات تقابلها حقوق، أتاح لأصحابها إدخالها مع مردودها في شبكة العلاقات المصرفية والتجارية والعقارية في البلاد. وهناك عقود ايجارات لمستثمرين وتجار وأبنية سكنية أقيمت على تلك الأملاك العمومية المتهم أصحابها ومن رخص لهم بعقودها شبهة تبييض الاموال. والقاعدة القانونية "ما بُني على باطل فهو باطل".

في المادة الخامسة من القانون 318، "على المحاسبين المجازين، وكتاب العدل، تطبيق هذه الموجبات (اجراءات في مادة سابقة) عند إعدادهم أو تنفيذهم لصالح عملائهم أي من الخِدمات الآتية: بيع وشراء العقارات. ادارة أموال العملاء المنقولة وغير المنقولة، لاسيما عمليات تكوين الأموال وعمليات الاستثمار المشترك. ادارة الحسابات المصرفية وحسابات الأوراق المالية". وفي القانون أيضاً: "إن ﺠرﻴﻤﺔ ﺘﺒﻴﻴض اﻷﻤوال ﻫﻲ ﺠرﻴﻤﺔ ﻤﺴﺘﻘﻠﺔ وﻻ ﺘﺴﺘﻠزم اﻹداﻨﺔ ﺒﺠرم أﺼﻠﻲ. كما أن إداﻨﺔ الفاعل بالجرم اﻷﺼﻠﻲ ﻻ ﻴﺤول دون ﻤﻼﺤﻘﺘﻪ ﺒﺠرم ﺘﺒﻴﻴض اﻷﻤوال ﻓﻲ ﺤﺎل وﺠود اﺨﺘﻼف بالعناصر الجرمية". نفهم من ذلك، أن المعتدين على الأملاك العمومية يلاحقون بجرم تبييض الأموال سواء أدينوا بالجرم الأصلي أم لم يدانوا. ينسحب ذلك على براءات الذمة بين خصوم منفردين لا تسقط الملاحقة بجرم التبييض. في بيت المال القضية أفدح بكثير. فهل يجوز التغاضي؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها