الخميس 2017/07/20

آخر تحديث: 00:13 (بيروت)

ما يجب أن تعرفه عن هذه الضرائب الطائشة

الخميس 2017/07/20
ما يجب أن تعرفه عن هذه الضرائب الطائشة
الدولة لا تملك أي وجهة لسياساتها الإقتصاديّة (المدن)
increase حجم الخط decrease

هل يمكن لنا أن نحدّد الوجهة الإقتصاديّة التي تقودنا إليها الدولة بعد المصادقة على البنود الضريبيّة؟ لا بدّ أنّ نسأل، فأضعف الإيمان أن نبحث عن سياسة إقتصاديّة ما خلف أي اجراء مالي أو نقدي، خصوصاً في بلد حذّرته المؤسّسات الدوليّة من تركّز الثروة والودائع فيه في يد أقليّة صغيرة، ومن تهاوي المؤّشرات الإقتصاديّة التي تحدّد قابليّة النموذج الإقتصادي على الإستمرار.

وإذا كانت النظرة الأولى توحي أن السلطة تتجه إلى سياسات إقتصاديّة غير عادلة، فالأسوأ أنّ النظرة الأعمق تُظهر أنّها دولة لا تملك أي وجهة لسياساتها الإقتصاديّة.

ضرب الطبقة الوسطى
من يقرأ لائحة الضرائب يلفته أوّلاً أنّها في أغلبيّتها الساحقة من الضرائب غير المباشرة، أي تلك التي تطال الجميع بنفس النسبة بمعزل عن مستوى الدخل. ومن المعروف إقتصاديّاً أن هذا النوع من الضرائب يضرب كنتيجة طبيعيّة الطبقة الوسطى.

يقول الخبير الإقتصادي جان طويلة، لـ"المدن"، إنّ الحكومات التي تحترم نفسها وشعبها تقوم قبل كل شيء بدراسة للأثر الإقتصادي والاجتماعي لكل ضريبة تقوم بزايدتها أو استحداثها. وهذا الأمر يحصل في كل بلدان العالم. وثمّة دراسات تحدّد التأثير الذي سيطال المستهلكين لكل منتج في حال فُرضت ضريبة ما عليه.

لكنّ ما جرى في الحالة اللبنانيّة كان مختلفاً. فمثلاً عند فرض الزيادة على الضريبة المضافة لم تجر أي دراسة إقتصاديّة، وفق طويلة، وكنّا أمام إقتراحين فحسب: إمّا زيادتها على كل المنتجات الخاضعة لها لغاية 11%، أو إبقاءها على مستواها عند 10% وزيادتها لغاية 15% على السلع الكماليّة فحسب.

وفي النهاية تم رفع هذه الضريبة لغاية 11% على كل المنتجات الخاضعة للضريبة من دون تمييز. ويتحدّث طويلة عن دراسات إقتصاديّة تم إعدادها تُظهر أنّ رفع نسبة هذه الضريبة يؤثّر بشكل مباشر على حجم الطبقة الوسطى وقدرتها الشرائيّة، كما ترفع نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

يضيف طويلة: "الضريبة على المستوعبات المستوردة ستحدث الأثر نفسه. فالتجّار يقومون بتسعير البضائع بحسب الكلفة. وإذا تمت زيادة هذا الرسم على المستوعبات المستوردة، فالذي سيتحمّل هذه الكلفة في النهاية هو المستهلك النهائي".

وعلى هذا المنوال يعدّد طويلة لائحة الضرائب التي تنتمي في أغلبيّتها الساحقة إلى فئة الضرائب غير المباشرة، التي تؤدّي في النهاية إلى النتيجة نفسها. وحتّى ضريبة الدخل على الشركات، تم رفعها على جميع الشركات بالنسبة نفسها، أي 17%، من دون أي تمييز بين الشركات الناشئة أو المتوسّطة والصغيرة، والشركات التي تحقّق أرباحاً أكبر.

سياسات متضاربة
وإذا كانت الضرائب غير المباشرة تصب في مصلحة تعميق التفاوت الاجتماعي، تبرز مشكلة تضارب البعض الآخر من الاجراءات الضريبيّة مع الاجراءات النقديّة التي كلّفت لبنان وخزينته كثيراً حتّى اليوم. حتّى أنّ المشهد هنا يصبح أقرب إلى عربة يدفعها شخصان في اتجاهات معاكسة.

فكيف تنسجم السياسة النقديّة لمصرف لبنان التي تقوم منذ العام 2016 على الإنفاق بسخاء في الهندسات الماليّة لإستقطاب الودائع بالعملات الصعبة مع سياسة ضريبيّة تقوم على رفع الضريبة على الودائع؟ وهنا يصبح من المشروع السؤال عن فائدة سياسات نقديّة وماليّة متناقضة الأهداف، خصوصاً إذا كان بعضها مكلفاً جدّاً.

ومن ناحية أخرى كيف تستقيم سياسة مصرف لبنان القائمة على الإنفاق في سبيل إنعاش السوق العقاري وتحمّل كلفة خفض فوائد القروض السكنيّة من جهة، والسياسة الضريبيّة التي تسير في إتجاه معاكس عبر تحميل السوق نفسه ضرائب جديدة؟ وهنا يصبح علينا أن نسأل عن وجهة سياسة الدولة في المجال نفسه.

تشجيع التهرّب الضريبي
يذكّر طويلة بحديث رئيس الجمهوريّة ميشال عون عن زيادة مداخيل الجمارك بنسبة 6.4% في 80 يوماً، رغم إنخفاض الإستيراد بنسبة 15%، في إِشارة إلى نتائج مكافحة التجاوزات في هذا المجال. كما يذكّر بتقرير لبنك عودة يشير إلى بلوغ قيمة التهرّب الضريبي 4.2 مليار دولار من خلال ضرائب مختلفة. ليصل إلى نتيجة مفادها أنّ مكافحة 20% من التهرّب الضريبي كانت كافية لتمويل السلسلة.

أمّا مع هذه الزيادات، فإن المواطن اللبناني الذي لا يملك الغطاء السياسي ولا يملك القدرة على التهّرب الضريبي، وفق طويلة، سيتحمّل وحده الكلفة. بالتالي، ستؤدّي الزيادات الضريبيّة هذه بشكل مباشر إلى زيادة التهرّب الضريبي.

في الخلاصة، لا يبدو أنّ القرارات الضريبيّة الأخيرة تتسق مع الحاجة إلى اجابات على المشاكل الإقتصاديّة والاجتماعيّة المطروحة، لا بل تعمّقها. كما أنّها لا تتسق مع سياسات الدولة نفسها في أكثر من قطاع. فتظهر الدولة حاملةً لسياسات إقتصاديّة متناقضة.

هكذا، تكون سياسات الدولة الإقتصاديّة بلا وجهة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها