الجمعة 2017/06/09

آخر تحديث: 00:11 (بيروت)

كوكبٌ لترامب وآخرٌ للعالم

الجمعة 2017/06/09
كوكبٌ لترامب وآخرٌ للعالم
مع أي شركاء سيعيد ترامب التفاوض على اتفاق باريس؟ (Getty)
increase حجم الخط decrease

هل يدرك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإخراجه الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، أنه اقترف أكبر جريمة في حق الحياة على الكوكب بشراً ونباتاً وحيواناً؟ إتفاق باريس جاء مرة أولى باجماع دول العالم، بعد عقود من المفاوضات والقمم الخائبة. للاستدلال فقط. الاتفاق وضع هدفاً بالتنسيق مع الامم المتحدة عدم تجاوز حرارة الأرض 3.6 فهرنهايت (درجتان مئويتان) عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. في أيلول 2015 كشف تقرير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وهي أميركية، أن درجة الحرارة بلغت نحو 1.7%. معدل غير مسبوق منذ 1629 شهراً. أي منذ 1880 سنة بدء الثورة الصناعية في بريطانيا. ويحذر علماء المناخ من أن كل عشر الواحد في المئة ارتفاعاً في الاحتباس الحراري من الآن وصاعداً، يعرض ملايين البشر للموت في حالات الكوارث الطبيعية. فضلاً عن المخاطر الجسيمة بالحيوان والغطاء النباتي والمنشآت. ترامب لا يرى "أميركا عظيمة" إلاّ من مصلحة الشركات الأميركية. الكوكب المشترك للحيوات الثلاث، يعمل أيضاً من أجل "اميركا العظيمة"!

"سنلحق بترامب إلى باب الدار". نناقشه بلغته. يعتقد أن الشركات الأميركية تتضرر من اتفاق باريس للحد من الاحتباس الحراري.  "والولايات المتحدة تتكبد المليارات في جهود مكافحة التغير المناخي في الدول الفقيرة والنامية"، على ما يقول. ونبدأ بـ"أميركا العظيمة" نفسها. أخطر الاعصارات في الألفية الثالثة كانت في الولايات المتحدة. اعصار هاييتي قتل آلاف البشر. دمر عشرات آلاف المنازل والسدود والطرق السريعة وليس على وجه الحصر. 80% من لويزيانا غرق في المياه. تكلفته بتقدير الإدارة الأميركية 80 مليار دولار أميركي. بعده نيو أورليانز وساندي واعصار أوكلاهوما. وكلها أتت بالنتائج نفسها على البشر والحيوان والنبات. الأخطر، أن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي التي سبقت الإشارة إليها تحذر من أن 85 مليون أميركي (نحو ربع تعداد الأميركيين) مهددون في حال الكوارث الطبيعية الناجمة عن الاحترار المحتمل حدوثها في المستقبل. أيُ رئيس يتقبل هذه المخاطر على بلاده وناسه من أجل الشركات و"أميركا العظيمة"؟

من وجهة الاقتصاد البيئي ومصلحة الشركات الأميركية. كانت "بريطانيا عظمى"، وبعدها "أميركا عظيمة"، حين ابتكار الطاقة المستولدة من المياه والبخار. لم يسبقها أحد في الاختراعات والصناعة. إحلال المكننة محل العمل اليدوي، والتقدم الصناعي والتكنولوجي في الولايات المتحدة خصوصاً، إنما كانا مصحوبين باحتراق الطاقة الملوثة للبيئة والمدمرة للمناخ. من الفحم الحجري إلى الوقود الأحفوري على أنواعه والوقود الضخري. وصلت الولايات المتحدة إلى رأس قائمة الدول الصناعية التي تسهم في احترار المناخ واهتلاك طبقة الأوزون الواقية للارض. وتتربع على نحو 18 تريليون دولار أميركي ناتجاً محلياً. زهاء 22% من الناتج المحلي العالمي. لو قادنا موقف ترامب إلى تسليع البشر والحيوات على الكوكب من زاوية ما "تربح الشركات من اتفاق باريس وما تخسر"، مع ذلك فالولايات المتحدة خاسرة من الكوارث الطبيعية لسببين حداً أدنى. الأول من الدمار الذي تلحقه تلك الكوارث مباشرة بالمنشآت الاقتصادية. ومن خسائر مؤشرات البورصات. وشركات التأمين ضد الكوارث. وبوالص التأمين على الحياة والطبابة والاستشفاء وغيرها. ولساعات العمل والإنتاج المهدورة بلا طائل. ومن ثمة، مئات المليارات التي تتكبدها الخزانة الأميركية على البنى التحتية نتيجة الكوارث الطبيعية. ومثلها إن لم يكن أكثر، خسائر الأسر لإعادة بناء المنازل وترميمها. أما السبب الثاني، فلكون الشركات الأميركية بقدراتها التكنولوجية المتفوقة، مؤهلة بذاتها لحماية المناخ بتطوير وسائل الحماية من احترار طبقة الارض. الأهم، أن في ميسور تلك الشركات الفوز في سباق العالم إلى الاقتصاد الأخضر. واستيلاد الطاقة النظيفة من مصادرها غير المحدودة. وتصنيع مدخلاتها وتصديرها سلعاً جاهزة إلى أسواق العالم. وتربُح مئات المليارات سنوياً. ماذا يضير ترامب لو التزم اتفاق باريس وحفّز الصناعات الأميركية في هذا الاتجاه؟

لو كان أساتذة الاقتصاد الكلاسيكيون والمحدثون منهم على تباين مدراسهم في عالمنا اليوم، لغيروا كثيراً من المفاهيم الاقتصادية. دراسة الأثر البيئي الفادح على الاقتصاد، وتغير المناخ وتبعاته الأفدح، تفترض محددات أخرى لتكلفة الإنتاج ومعدل النمو قد تتناسب أهمية مع أثر التضخم. لم يعد جائزاً في احتساب تكلفة الإنتاج اقتصارها على العناصر التقليدية من استثمار وأجور وطاقة واهتلاك ومدخلات خارجية وداخلية وخلافها. الأثر البيئي والمناخي المصاحب لاستخدام الموارد الطاقوية في عملية الانتاج، شأن معياري في كفاية المنتج وجودته أو العكس. خفض التكلفة على حساب البيئة والمناخ بالاستخدام الجائر لموارد الطاقة، ليس مؤشراً باهراً للإنتاج ما دامت نتائجه العكسية تهدد الحياة على الأرض والموارد الطبيعية. بصرف الاعتبار عن حيازة المنتج هامشاً تنافسياً في السعر وأسواق الصادرات. فتكلفة احتواء النتائج العكسية على مستوى بلد المنشأ وكوكب الأرض، أكبر بكثير من تربح المنشأة فرادى. والحاجة أكبر لتقييم أثر البيئة والمناخ في مؤشر النمو التقليدي. نحتسب النمو الحقيقي مستخرجاً منه نسبة التضخم. في المقام نفسه يفترض احتساب الأثر البيئي والمناخي المصاحب للنمو سلباً أو إيجاباً في معدل النمو الحقيقي. وإلاّ ماذا يعني النمو الحقيقي بصفر تضخم لو كان سيرتب أعباء مالية مقابلة على الصحة العامة والموارد والطبيعة عموما؟ فكيف والأمر متصل مباشرة بالحياة على الكوكب؟

يملك ترامب حساسية مفرطة تجاه العجز التجاري الأميركي. يعتقد أن خفض تكلفة إنتاج الصناعات الأميركية التي تستخدم الطاقة المكثفة، كفيلٌ بزيادة تنافس صادراتها لكبح العجز التجاري. حتى ولو كان الخفض على حساب معايير البيئة. الأمر محظور بقواعد منظمة التجارة العالمية ويعتبر دعماً حكومياً تمييزياً لا تحظى بمثيله صادرات الدول الملتزمة اتفاق باريس. مع أي شركاء سيعيد ترامب التفاوض على اتفاق باريس؟ كوكب لترامب وآخر للعالم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها