الأحد 2017/05/07

آخر تحديث: 11:35 (بيروت)

عبدالحليم فضل الله: تدهور مواصفات الإقتصاد اللبناني

الأحد 2017/05/07
عبدالحليم فضل الله: تدهور مواصفات الإقتصاد اللبناني
التجربة التي قامت على الإتكال على المعونات فشلت في لبنان
increase حجم الخط decrease

يختلف الخبراء إلى حد كبير في تفسير المعطيات الإقتصاديّة الراهنة في لبنان وأبعادها، والسياسات الماليّة المفترض اتباعها. قابلت "المدن" في هذا السياق رئيس المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق الدكتور عبدالحليم فضل الله، للوقوف عند رأيه وتحليله لهذه المعطيات.

المؤشّرات الإقتصاديّة الأخيرة: نمط مستمر
ينطلق فضل الله من المؤشّرات التي تم تداولها أخيراً بشأن الإرتفاع في نسبة العجز في الحساب الجاري ومخاطر هذا العجز، ليعتبر أن هذا الإرتفاع يحمل بالتأكيد مخاطر كبيرة. "لكن هذه المسألة ليست جديدة في لبنان، بل الجديد هو إضاءة البنك الدولي على هذه المخاطر، فنحن لدينا من الأساس عجز كبير ومزمن في هذا الحساب".

ورغم أن العجز إرتفع من 17% إلى 20% من الناتج المحلّي، كما تُظهر الأرقام الأخيرة، إلا أنَّ نمط الإستيراد والتصدير والإنتاج لم يتغيّر كثيراً. ولم يتغيّر نمط إعتماد لبنان على التحويلات الماليّة من الخارج. "ما تغيّر فعلاً هو نسبة النمو الإقتصادي فحسب".

ووفق فضل الله، "هذا العجز يشكّل نمطاً مستمرّاً منذ مرحلة التسعينات. فبعد الحرب أصبح العجز في الميزان التجاري والحساب الجاري أكبر بكثير مما قبل الحرب. ما يشير إلى تدهور مواصفات الإقتصاد اللبناني". وهذا يعني عمليّاً إعتماد لبنان بشكل كبير على التدفّقات الماليّة الآتية من الخارج سواء على شكل تحويلات من المغتربين أو ودائع وغيرهما.

سياسات نقديّة غير مستدامة
هذا النمط الإقتصادي ولّد إعتماداً على أدوات نقديّة من أجل استقطاب أموال من الخارج، بدل "الإعتماد على المزايا الإقتصاديّة والقدرة على المنافسة عبر الصادرات والإستثمار المباشر لإستقطاب الأموال".

من هنا، يتولّد "الخطر الأكبر"، كما يصفه فضل الله، فكلّما إزدادت الفجوة في الحساب الجاري، يدفعنا هذا الأمر إلى زيادة أسعار الفائدة، من أجل استقطاب مزيد من الأموال لسد هذا العجز. "وإرتفاع أسعار الفائدة له تداعياته الماليّة على الخزانة العامّة وله تداعياته الإقتصاديّة على الإستثمار والقدرة التنافسيّة أيضاً".

لذلك، لا يعتبر أن هناك مخاطر فوريّة من المؤشّرات الإقتصاديّة الأخيرة، "بمعنى إنهيار أو تدهور سريع". لكنّها ستدفع لبنان إلى اللجوء إلى مزيد من الأدوات الضارّة بالإقتصاد الوطني. ويشير هنا إلى أنّ لبنان يعاني أساساً من إرتفاع متزايد في متوسّط أسعار الفائدة مقارنةً بمتوسّط أسعار الفائدة العالميّة.

خطوات مصرف لبنان: بدل من ضائع
في ما يخص خطوات مصرف لبنان الأخيرة، يشير فضل الله إلى أنّ هناك ظروفاً ربّما أملت على مصرف لبنان القيام بالهندسات الماليّة. لكنّ السؤال هو عن كلفة هذه الهندسات وعما إذا كانت "أكثر من اللازم". وهذا السؤال الذي ينبغي طرحه.

يتابع: الهندسات الماليّة حتّى لو كانت بكلفة مناسبة ولضرورات معيّنة، وحتّى لو سلّمنا جدلاً بكفاءتها، فهي لا تعوّض غياب السياسات الماليّة والإقتصاديّة الصحيحة. بالتالي، هذه الهندسات ليست سوى "بدل من ضائع". وإذا كان لدينا خلل في مسألة صياغة السياسات الماليّة والإقتصاديّة، لا يمكن تعويض هذا الخلل عبر هذا النوع من السياسات النقديّة.

وعن شكل السياسات الإقتصاديّة والماليّة الصحيحة يعدد فضل الله: سياسات تحفّز النمو، وتحسّن أوضاع القطاعات الإنتاجيّة (صناعة وزراعة وخدمات)، وسياسات تهدف إلى خفض النفقات في الأماكن المناسبة، وزيادتها في الأماكن المناسبة، وتحسين الإيرادات مع الأخذ بالاعتبار الفعاليّة الإقتصاديّة لهذه الإيرادات وأن تكون عادلة ومنصفة اجتماعيّاً.

الموازنة الحكوميّة الجديدة
"بالتأكيد سيكون لإقرار الموازنة في مجلس النوّاب بحد ذاته أثر إيجابي على الإقتصاد، وعلى الأقل سيرفع هذا الأمر مستوى الثقة، ويحسّن مستوى توقّعات المستثمرين ويعيد للحكومة دورها داخل الإقتصاد، لأنّ قناة الدولة الوحيدة داخل الإقتصاد هي الموازنة العامّة".

ومن ناحية أخرى، فإنّ هذه الموازنة، وفق فضل الله، مازالت محل نقاش لغاية اليوم، وثمّة تعديلات من الممكن أن تدخل عليها. "لكن يمكننا أن نقول مبدئيّاً إن هذه الموازنة لا تلبّي الطموح، بعدما تم فصلها عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب ومواردها. رغم أنّ هذه الموازنة تحتوي بعض التقدّم إلى الأمام مقارنةً بالموازنات السابقة".

تعزيز قدرات اقتصادنا بإستقلاليّة
عن الموسم السياحي المقبل، يعتبر فضل الله أن لبنان شهد مرحلة من الإستقرار الأمني بمعزل عن الخضّات السياسيّة، وثمّة ثقة بالوضع الأمني اللبناني مقبولة مقارنةً ببعض الدول العربيّة الأخرى. وتعليقاً على دور زيارة رئيس الجمهوريّة إلى السعوديّة وأثر تعزيز العلاقة الرسميّة معها على هذا الصعيد، يشير إلى أنّ المطلوب هو "المراهنة على إمكاناتنا، من دون المراهنة على دول الخليج أو غيرها".

ووفق فضل الله، ثمّة دول تحاول أن تقايض الدعم الإقتصادي للبنان بمواقف سياسيّة، وذلك من أجل التأثير على قراره السياسي. وهذا الأمر يرفضه. فالمطلوب أن "يكون إقتصاد بلدنا مستقلاً إسوةً بقراره السياسي، بإعتماده على إمكانته الذاتيّة من دون الإتكال على العطاءات المشروطة، سواء من دول أو مؤسسات ماليّة".

يضيف: "التجربة التي قامت على الإتكال على المعونات فشلت في لبنان، والمطلوب أن نفتّش عن قدراتنا التنافسيّة الخاصّة في الخدمات والصناعة والزراعة، مع التشديد على احترام كل المساعي لتعزيز علاقة لبنان بسائر الدول الصديقة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها