الأربعاء 2017/05/03

آخر تحديث: 01:52 (بيروت)

البنك الدولي يقرع جرس الإنذر للبنان

الأربعاء 2017/05/03
البنك الدولي يقرع جرس الإنذر للبنان
الدين العام يشكّل أحد أبرز مكامن الضعف الإقتصادي (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease

قدّم البنك الدولي نشرته لمرصد لبنان الإقتصادي تحت عنوان "نداؤنا لكم"، التي عرض من خلالها مجموعة من المعطيات الحاليّة للوضع الإقتصادي في لبنان، مع إنتقادات لاذعة تلامس حد التشكيك في قدرة النموذج القائم على الإستمرار.

27 % من المقيمين تحت خط الفقر
في القسم الخاص بالعمالة والفقر، تشير النشرة إلى أن نسبة الفقراء من المقيمين بلغت 27%، إذ تظهر النسبة الأعلى من حيث معدّلات الفقر في محافظات شمال لبنان والبقاع، بينما تتركّز الكتلة الأكبر من حيث العدد في محافظة جبل لبنان. أمّا من حيث القطاعات الإقتصاديّة، فترتفع معدّلات الفقر في أوساط العمّال في قطاعي الزراعة والبناء، الذين يتقاضون الأجور على أساس يومي أو أسبوعي.

وتلفت النشرة النظر إلى أن النمو في عدد الوظائف تركّز تحديداً في قطاعات التجارة (47% من إجمالي الوظائف الجديدة) والبناء (10% منها) والخدمات العامّة والخاصّة (34.7% منها). ما يعني، وفق النشرة، أنّ النمو في الوظائف تركّز في القطاعات منخفضة الإنتاجيّة، بينما ظل هذا النمو في القطاعات المنتجة (الاتصالات والزراعة والصناعة) منخفضاً.

الوضع المالي: هشاشة متزايدة
تعتبر النشرة أنّ الوضع المالي ازداد هشاشة مع اتساع العجز المالي العام وتزايد نسبة الدين إلى الناتج المحلّي (وهي نسبة مرتفعة أساساً). فمن جهة، إرتفع العجز المالي العام بنحو 1.8 نقطة مئويّة، لتصل نسبته إلى 10% من الناتج المحلّي، وهي النسبة الأعلى منذ 2006. بينما ارتفعت كل من النفقات والواردات. لكن زيادة النفقات فاقت زيادة الإيرادات. ما ولّد هذه الزيادة في العجز.

من جهة أخرى، ترافق هذا العجز مع زيادة محدودة في الناتج المحلّي الإجمالي الإسمي. ما دفع نسبة الدين إلى الناتج المحلّي الاجمالي إلى نحو 157.5% لغاية نهاية العام 2016، أي بزيادة نحو 8.1 نقطة مئويّة مقارنةً مع نهاية العام 2015.

وتركّز النشرة على تباطؤ العجلة الإقتصاديّة منذ بداية الأزمة الإقليميّة. وهو الأمر الذي أثّر على الواردات العامّة، بينما لم يقابل هذا الأمر أي حد للإنفاق العام. هكذا، تستمر الحكومة بالاعتماد على الاستدانة من أجل تمويل العجز المتزايد، إذ قامت بإصدار سندات خزينة بقيمة 4 مليار دولار على دفعتين في نيسان 2016 وآذار 2017.

عجز الحساب الجاري: من الأعلى عالميّاً
تشرح النشرة أن ارتفاع قيمة الواردات وانخفاض التحويلات الماليّة من الخارج أسهما برفع العجز في الحساب الجاري. وهو الحساب الذي يدل على قيمة الأموال التي دخلت وخرجت من البلد في فترة زمنيّة ما. في الواقع، ارتفعت نسبة هذا العجز من الناتج المحلّي إلى 21% (وهي من النسب الأعلى على الصعيد العالمي). وهو الأمر الذي يعرّض لبنان إلى مخاطر كبرى على صعيد إعادة التمويل.

ولعلّ أبرز العوامل التي أسهمت في رفع هذه النسبة هو تزايد العجز في الميزان التجاري، إذ وصل في نهاية العام 2016 إلى 15.7 مليار دولار. ورتفعت قيمة الواردات بنسبة 3.5%، وارتفعت نسبتها إلى الناتج المحلّي لغاية 26%. وبينما ارتفعت قيمة التحويلات من لبنان إلى الخارج، تباطأت تحويلات المغتربين من الخارج، مع العلم أن التحويلات من الخليج أسهمت بشكل كبير في هذا التباطؤ.

القطاع المالي: تحديات ما بعد "الهندسة"
تتحدّث النشرة عن التحدّيات المتعلّقة بإدارة السيولة في القطاع المالي، بعد الهندسات الماليّة التي أجراها مصرف لبنان، فأشارت إلى أنّ "تدخّلات كهذه يمكن أن تؤدّي إلى تفاقم المخاطر الماليّة- الكليّة".

فالمصارف التجاريّة تعاني أساساً من إنكشاف مرتفع لمخاطر الدين السيادي، إذ تشكّل هذه المصارف أحد أهم مصادر تمويل الدين. وقد ازداد إنكشاف المصارف إلى هذا النوع من المخاطر، خصوصاً الدين العام بالعملة الأجنبيّة، بفعل الهندسات الماليّة لمصرف لبنان.

فبينما ارتفعت نسبة إنكشاف المصارف إلى الدين السيادي بـ2.2 نقطة مئويّة (لتصح 60.7% لغاية كانون الأوّل 2017)، ارتفعت نسبة إنكشافها بالعملة الأجنبيّة بـ15.5 نقطة مئويّة دفعة واحدة، لتصبح 45.6%. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى طبيعة عمليّات السواب التي تمّت، والتي تغيّر بشكل كبير من طبيعة إنكشاف المصارف للدين السيادي بحسب العملات. وتشير النشرة إلى تحدّيات مرتبطة بارتفاع كبير في معدّلات السيولة بالليرة اللبنانيّة. ما يفرض أسئلة بشأن طريقة إدارة هذه السيولة.

نداء إلى الدولة اللبنانيّة
تخلص النشرة بعد توصيف الوضع الإقتصادي والمخاوف المرتبطة به إلى ما يشبه النداء إلى الدولة اللبنانيّة، من أجل "طي صفحة التقاعس والإنحدار بسرعة وبشكل ملحوظ". لذلك تطلب النشرة أوّلاً إقرار موازنة "ذات صدقيّة"، خصوصاً أن لبنان يعمل من دون موازنة رسميّة منذ 2005. ما يترك السياسة الماليّة للدولة بدون مرجعيّة.

وتعتبر في الخلاصة أن الدين العام المرتفع والمتزايد بسرعة يشكّل- مع العجز في الميزان التجاري والحساب الجاري- أحد أبرز مكامن الضعف الإقتصادي، خصوصاً في ظل إقتصاد مدولر إلى حد كبير. وتشرح النشرة أن لبنان يقع في دوّامة مفرغة قائمة على الإبقاء على تدفّق الودائع لتمويل الدين العام المتزايد. ما يشكّل مخاطر كبيرة على النظام المالي القائم. لذلك، توصي باعتماد سياسات تهدف إلى اجراء اصلاحات ماليّة للسيطرة على معدّلات الدين العام. وتعتبر أن اجراء إصلاحات ضريبيّة يمكن أن يكون مفيداً في هذا السياق.

يمكن القول إن البنك الدولي، وعلى خطى صندوق النقد الدولي سابقاً، قرع جرس الإنذار للبنان حيال نظامه النقدي والمالي القائم. إذ إنّ البنك الدولي شرح بلغة تقنيّة صرفة ما سمّاه "دوّامة" الدين العام، ووصّف المخاطر المتعاظمة التي تنبئ بسقوط هذه المنظومة. فهل هناك من يعمل على تلافي هذا الانحدار؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها