الإثنين 2017/05/29

آخر تحديث: 00:09 (بيروت)

هل يأتي الشعب اللبناني؟

الإثنين 2017/05/29
increase حجم الخط decrease

دخل الاستقرار السياسي والأمني عاملاً مقرراً في التوقعات الاقتصادية والنمو. في المعادلات الاقتصادية كانت المؤشرات الاساسية هي القاعدة لقياس اداء الاقتصاد. النمو. فرص العمل. التضخم. العجز والدين والتوازن المالي. الحساب الجاري وميزان المدفوات والاستتثمارات. والترابط التفاعلي بين تلك المؤشرات ونتائجها في الاقتصاد الكلي كان كافياً لرصد التوقعات والبناء عليها. وفي الضفة الأخرى ادارة الاقتصاد السياسية. النزاهة والحوكمة والحوافز وما اليها.

في المنطقة العربية الآن والدول الخليجية الأكثر ثراء وموارد طبيعية، كانت أسعار النفط صعوداً وهبوطاً العامل الأكثر تثقيلاً في توقعات النمو والاداء الاقتصادي. ورغم افتقار معظم تلك البدان الى تنويع الاقتصاد، واعتمادها عقوداً من الزمن على الفوائض المالية لتعويض قصورها في تحويل تلك الفوائض استثمارات في الاقتصاد الحقيقي وقيمة مضافة وفرص عمل، تتطلع وكالات التصنيف الدولية الى صناديق الدول السيادية وقدرتها على امتصاص الصدمات لتصنيف تلك الدول. مع ذلك، فالحروب في المنطقة، والوضع الجيوسياسي، وأعباء حماية الأمن الوطني والاستقرار السياسي، غدت عوامل مهمة في التصنيف السيادي والإئتماني حتى لدول الموارد والثروة.

ماذا يعني كل ذلك للبنان المحدود الموارد؟ سياسياً هو معتلٌ ومتروك الآن الى حين تبلور الوضع في المنطقة، والميناء التي سترسو عليها سفينة الحروب والنزاعات. ونحسب إن رحلة المتاعب شاقة لتجد السفينة مرساها. ومكلفة بكل المعايير لاسيما الاقتصادي والاجتماعي منها. ولأن لبنان متروكٌ سياسياً إلاّ مما تقتضيه مصالح دول الاقليم المقررة والولايات المتحدة وروسيا على نحو خاص. فهو مصنوعٌ وليس صانعاً. وبالتالي متروك إقتصادياً ومالياً في هذه المرحلة. انتهى عصر المؤتمرات الدولية والاقليمية لدعم لبنان. لا باريس 1 ولا باريس 2 ولا 3. ذوو القربى من الدول العربية الخليجية في قلب عاصفة التحولات الاقليمية. ينفقون بالدين ومن الصناديق السيادية. أوروبا والولايات المتحدة غارقة في العجوز والدين. هذا اذا وجدت الارادة السياسية لمدنا بالعون في بلد بلا هوية سياسية ويتنازع على هويته الوطنية. المؤتمرات الثلاثة الأخيرة في لندن ونيويورك وبروكسل، التي كان لبنان معنياً بها لم تعقد من أجله. بل لدرء مخاطر النازحين واللاجئين السوريين على أرضه عن الدول التي رعت المؤتمرات. ولبنان يشتري كل شيء بسعر باهظ لا قِبل له على تحمله فترة طويلة. نجسر العجز بالدين. والدين بالفوائد. والفوائد بنحو ثلث عائدات الموازنة المفقودة. ونشتري فائض ميزان المدفوعات بما يفوق عجزه بأضعاف مضاعفة. ولأن سرعة نمو هذه الآفات أسرع من نمو الاقتصاد والناتج المحلي بأشواط، رحنا نشتري الوقت لنرجىء مواجهة الحقيقة والأسوأ الذي لم يأت بعد. ربما صوّر الكاتب الإيرلندي صموئيل بيكيت لبنان عندما كتب مسرحيته "في انتظار غودو"، ليخلصّ عالماً تخيله الكاتب الفذّ من المهمشين والمنافقين، تسوده الفوضى والقنوط. ولا يخضوضر فيه شجرٌ ولا يثمر نبتٌ. فينتظر الفرج من غودو. لكن غودو لا يأتي. "والانتظار التجربة المثلى لمرور الزمن في شكله الأنقى" قال بيكيت. طال انتظار لبنان الفرج. وجذوة الأمل فيه تخبو وتنوص. فسحة القنوط تتسع. الكذب والرياء أيضاً. لكن مهلاً، هل العوامل الجيوسياسية والمخاطر الاقليمية التي باتت مقررة الى أجل غير محدد في أوضاع المنطقة الاقتصادية، هي وحدها التي تقرر لوضعنا الاقتصادي ولسياسة شراء الوقت بتكلفة باهظة؟ أو لإرجاء مواجهة الحقيقة حين لا ينفع الندم؟ لا وكلاّ.

بعد نحو عامين ونصف عام من الشغور الرئاسي خسر اقتصاد لبنان عشرات مليارات الدولار الاميركي نمواً مفقوداً. وكان أصلاً يعمل بفاقد نمو من نحو 20% حداً أدنى. وشكّل الشغور عامل ضغط كبيراً على مستوى الاستثمارات المباشرة والعجز والدين العام. ورغم الولادة القيصرية التي أنتجت التوافق على رئيس الجمهورية إنتخابياً، حسّن انتخاب الرئيس وتأليف الحكومة الجديدة توقعات الاقتصاد ونظرة الخارج الى لبنان. لكن خطوة الى الأمام لم تحصل. بل العكس صحيحٌ. لا في الحد من الفساد. ولا في الخِدمات العامة والبنية التحتية. ولا في البيئة وملف النفايات. والأهم عدم صناعة موازنة 2017. قانون الانتخابات النيابية وإجراء الانتخابات بعد التمديد تكراراً لمجلس النواب من دون ارادة الناخب، تتسمان بأهمية استثنائية. والانتخابات النيابية في أوانها إنما تعكس انتظام عمل المؤسسات الدستورية، والحكومات المنبثقة عن ارادة المجلس والحائزة ثقته. أمر له شأنه في ما يتصل بالاقتصاد والاستثمار والاطار التشريعي للدولة. وبالاستقرار السياسي في البلد. وهذا ما تفتقده دول أخرى في المنطقة تعاني حروباً في ظل الديكتاتوريات. وقد حصل العكس أيضاً. فبينما كانت المالية العامة تستنزف ويغيب تشريع الموازنة، طارت المهل الدستورية لإجراء الانتخابات النيابية، واشتد النزاع السياسي على جنس القانون، بدوافع الحزبية الضيقة والزعامة الفردية، تتلبس مصالح الطائفة والمذهب بإسفاف مقزز ومفضوح.

الاستعدادات لموسم الصيف السياحي، المهرجانات والمناسبات السياحية والثقافية  التي استثمر فيها لجذب السائحين العرب والاجانب باتت موضع سؤال. مؤسسات فندقية صغيرة ومتوسطة في الجبل والساحل اللبناني أجرت عمليات تأهيل موسمية للغاية نفسها. وكذلك عدد كبير من المطاعم ودور اللهو يعمل موسمياً. بعض تلك المؤسسات يستدين من المصارف لإدخال تحسينات على خدماته. ودخل السياحة يتميز بقابلية على التدوير في قطاعات اقتصادية واسعة أبعد من الفنادق والمطاعم. في النقل، تجارة التجزئة، وإيجار المنازل، والتسوق والمراكز الثقافية. ويحسن الطلب الداخلي على السلع النهائية والصناعات الغذائية. ويزيد من الطلب على فرص العمل خصوصاً للفئات الشابة وطلاب المدارس والجامعات. والسياحة دعامة وازنة لميزان المدفوعات. وقد تكبدنا في هندسة مصرف لبنان المالية أكثر من 15 مليار دولار اميركي ( حسم سندات بصفر% وشراء يورو بوندز واعادة توظيف طويل الأجل بفوائد مرتفعة ) لنشتري نحو مليار و300 مليون فائضاً في 2017. عدم الاستقرار السياسي واستئخار قانون الانتخابات والانتخابات عينها، مع استمرار الضخّ الطائفي تلجم السياحة الداخلية أيضاً لشرائح موسرة من اللبنانيين. وتحد من الطلب الداخلي. وحصته كبيرة في الاقتصاد. أعداد لا يستهان بها من اللبنانيين لا تعرف بعد المناطق اللبنانية ومعالمها السياحية والثقافية. ويمكن أن تشكل السياحة الداخلية في بلد مستقر بديلاً من السياحة الخارجية. وهذا يحد من نزف ميزان المدفوعات ويعطي دفعاً للاقتصاد.

هذه هي حالنا. غودو لن يأتي منقذاً. هل يأتي الشعب!

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها