الجمعة 2017/05/26

آخر تحديث: 00:55 (بيروت)

فضائح تسعير الدواء في لبنان

الجمعة 2017/05/26
فضائح تسعير الدواء في لبنان
أرباح مستورد الأدوية غير محددة السقوف (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
قد يظن البعض أن الحديث عن ارتفاع أسعار الأدوية في لبنان مُبالغ فيه، بعدما شهدت سوق الأدوية انخفاضاً في عدد كبير من الاصناف على مدار السنوات الماضية، ولكن ما يكوي المريض اللبناني ليس اسعار الأدوية الخفيفة أو ذات المنشأ المحلي أو الأدوية الجنيسية (الجنريك)، إنما هي "الأدوية الثقيلة" كما يسميها البعض من أصحاب الاختصاص، أي أدوية الأمراض المزمنة، لاسيما منها ذات المنشأ الاجنبي. فما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ارتفاع الأسعار، ومن الذي يتحكم بآلية التسعير؟ ومن الذي يسرق المريض اللبناني ويُلحق الغبن به؟

يدور في حلقة تسعير الدواء وتسويقه كل من المصنّع والمستورد والصيدلي، ويمر تسعيره عبر لجنة التسعير في وزارة الصحة العامة، التي تضم الﻣدﻳر الﻋﺎم للوزارة رﺋﻳﺳﺎً، رﺋﻳس ﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺻﻳدﻟﺔ ﻋﺿواً، رﺋﻳس داﺋرة استيراد اﻷدوﻳﺔ وﺗﺻدﻳرﻫﺎ ﻋﺿواً، ورﺋﻳس داﺋرة اﻟﺗﻔﺗﻳش اﻟﺻﻳدﻟﻲ ﻋﺿواً... هذا من حيث المبدأ.

ولكن أول وآخر من يتحكم بحجم السعر وارتفاعه هو "المستورد" من دون سواه، ويبقى الحديث عن ضبط أو خفض الأسعار من دون سد الثغرات التي تشوب عملية الاستيراد مجرّد "هرطقات" وترويج إعلامي غير صادق إن لم نقل مخادعاً.

يبدأ مسار الدواء من اعطاء وزارة الصحّة الموافقة لإدخال أصناف معينة من الأدوية إلى لبنان، استناداً إلى فحوص مخبرية تجريها الشركات المستوردة للدواء للتأكد من مطابقته للمواصفات العلمية، وذلك في مختبرات الجامعة العربية، الجامعة الأميركية، الجامعة اليسوعية، وجامعة AUST، نظراً لغياب المختبر المركزي الذي فقد قدرته على فحص الأدوية ومطابقتها.

وعندما يتم تسجيل الدواء يمر بلجنة التسعير التي تتركز مهماتها على ﺗﺳﻌﻳر ﻛﻝ دواء ﻓور ﺗﺳﺟﻳﻠﻪ، سواء أﻛﺎن ﻣﺳﺗورداً أم مصدراً، على أن يُرفق بـ"شهادة المنشأ"، وهي شهادة تتضمن أسعاراً صادرة عن الجهة المصدّرة وتبيّن وضعية تصدير المستحضر وأسعار التصدير إلى بلدان الجوار، كالأردن والسعودية والكويت والإمارات وعمان وقطر والبحرين، أو شهادة أسعار التصدير إلى بلدان المقارنة، كفرنسا وانكلترا وبلجيكا وسويسرا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال. وبناء على أسعار بلد المنشأ يتم تسعير الدواء في لبنان، بإضافة نسب معينة على سعره بدل الشحن وتخليص البضاعة وربح الصيدلي وإضافات متفرقة (نحو 71%).

من يراقب مسار دخول الدواء إلى لبنان يخال الأمر مضبوطاً والأسعار مدروسة، وإنما الحقيقة ليست كذلك، وفق ما يشير أحد أعضاء لجنة الصحة النيابية في حديث إلى "المدن"، إذ يؤكد أن الخلل الأكثر خطورة في مسار الدواء يكمن في عدم دقة شهادات بلد المنشأ التي تستحضرها غالبية مستوردي الأدوية. "فشهادة أسعار بلد المنشأ، خاضعة للتواطؤ بين المستورد والمصنّع فقط". وما هو أخطر من ذلك عدم وجود صلة تواصل بين وزارة الصحة اللبنانية والدول المصنّعة التي يتم الإستيراد منها (عن قصد أو غير قصد). بذلك، تفقد الوزارة القدرة على التأكد من شفافية شهادات المنشأ وصوابية الأسعار المرفقة.

ويذهب النائب السابق إسماعيل سكرية لأبعد من ذلك، إذ يعتبر في حديث إلى "المدن"، أن شهادة بلد المنشأ بحكم الملغاة في لبنان كونها غير ضرورية. "فإلغاء ضرورة استحضار شهادة سعر بلد المنشأ، اتاحت للتاجر المستورد المتواطئ مع وزارة الصحة التواطؤ كذلك مع المصنع الخارجي وتسجيل الدواء بأسعار مضاعفة لأن شهادة سعر بلد المنشأ تحدّد سعر الدواء مع الإضافات الشرعية، إذ يضاف إلى سعر الدواء الأجنبي نحو 71 في المئة فقط، فيما يباع بعض الأدوية في لبنان بأضعاف الأضعاف.

تزوير شهادات بلد المنشأ يؤكده أيضاً رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، لكنه يضيف إلى أسباب الارتفاع الهائل في أسعار بعض الأدوية سبباً آخر يتعلّق بالمستوردين، الذين لا يكتفون، وفق حديث برو لـ"المدن"، برفع أسعار بلد المنشأ زوراً، إلا أنهم يتقاضون كذلك أرباحاً من بيع الأدوية غير محددة السقوف بخلاف كل دول العالم.

فنسب الأرباح على الأدوية تحدد في لبنان وفق شرائح الأسعار المقسّمة إلى 5، فكلما ارتفع سعر الدواء انخفضت معه نسبة الإضافات على التأمين والشحن والرسم الجمركي وأرباح الصيدلي والمستورد. ولكن في حالة شريحة الأسعار E، أي الأدوية الأكثر ارتفاعاً، تتوقف أرباح الصيدلي عند 86 دولاراً فقط مهما ارتفع سعر الدواء. أما المستورد فلا تتحدد أرباحه بمبلغ معين إنما تحدد كنسبة مئوية هي 6.5%، أي أن أرباحه ترتفع كلما ارتفع سعر الدواء. وهو ما يخالف المنطق الإنساني، وفق برو، وكذلك يخالف دول العالم.

بمعنى آخر، إذا كان سعر الدواء 10 آلاف دولار أو 50 ألف دولار يبقى ربح الصيدلي 86 دولاراً (وغالباً ما تباع "الأدوية الثقيلة" للمستشفيات وليس الصيدليات)، بينما يبلغ ربح المستورد 650 دولاراً من دواء سعره 10 آلاف دولار وترتفع إلى 3250 دولاراً من دواء سعره 50 ألف دولار، دون تحديد أي سقف لأرباح المستورد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها