الإثنين 2017/04/24

آخر تحديث: 00:27 (بيروت)

نسأل حزب الله عن العقوبات

الإثنين 2017/04/24
نسأل حزب الله عن العقوبات
نحن أمام استراتيجيا جديدة تستهدف لبنان (المدن)
increase حجم الخط decrease

لا ندري ماهية قانون الكونغرس الأميركي لتشديد العقوبات الاقتصادية والمالية على حزب الله. دعونا نقول ما يجب قوله بدايةً ومنتهى. ما دام بلدنا يفتقد إلى كيان الدولة والمؤسسات الدستورية العاملة، وسلطة القانون، وإلى إعمال الدستور بعدم التمييز بين اللبنانيين، وإلى العدالة، وبسط سلطة الدولة بالسلاح الشرعي وحده من دون غيره، فهيهات أن نتمكن من نزع صاعق الفقاعات الخطرة. فتغدو الدعوة إلى "الاستعداد للأسوا"، ونحن موغلون في القبح والنقائص ضد مصالحنا الوطنية، كمن يشتري الوقت بلا طائل. كل ما يحيطنا يشي بذلك وينذر.

أخطر ما يمكن أن تستند إليه العقوبات على حزب الله، اعتبار الإدارة الأميركية معاقبة الحزب جزءاً من مواجهتها المفتوحة مع إيران. تصرفات الرئيس دونالد ترامب توحي بذلك. يكافح الآن في الكونغرس لإعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران كما وعد ناخبيه. وفي الاتفاق كثير من الفجوات التي تشكل ملعباً لترامب. أولها العقوبات المالية والمصرفية الباقية على طهران. ثانيها تجارب الصواريخ الباليستية التي تقول إيران إنها غير مشمولة ويعتبرها ترامب من بين أسلحة الدمار الشامل. لكن الأخير يصنف الاتفاق "الأسوأ" الذي أقره سلفه باراك أوباما، لأنه لم يضع ضوابط على منظمات تمولها إيران وتصنفها الإدارة الأميركية "ارهابية"، بينها "حزب الله". لو جاءت اجراءات الكونغرس وفقاً لما سبق ذكره، فعلينا أن ننتظر عقوبات أشد إيلاماً لن تبقى مفاعيلها في الدائرة المالية الضيقة للحزب. إن توسعت كما تتخوف الحكومة والمصارف، ستطال لبنان مصارفه واقتصاده. وسيكون نافلاً ترداد مقولة أن حزب الله "جزءٌ من النسيج الوطني اللبناني. وله نوابه ووزراؤه وقاعدته الشعبيته". أو أن "مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة يطبقان قوانين منع تبييض الأموال ومكافحة الارهاب". الاجراءات العقابية غير ملزمة للبنان ومصارفه، "ومن لا تروقه ليتوقف عن التعامل مع المصارف الاميركية". هذا لسان حال وزارة الخزانة الأميركية.

إيران ربما تغتبط بخلفية تعامل ترامب مع حزب الله وكأنه قوةٌ اقليمية لها.  لكن ما يفعله حزب الله للتكيف مع هذه العقوبات، ولدرء ما يمكن من مخاطرها ليس مفهوما ولا مسوغاً. والحزب يدرك أن تلك المخاطر أمر واقع. وأن إيران نفسها عجزت عن تلافي مفاعيل العقوبات التي أوهنت اقتصادها، وعمّقت مؤشرات الفقر ومشكلاتها الاجتماعية. كما عجزت دولٌ حليفة للولايات المتحدة عن ردّ كأس العقوبات عنها. فكان أن غُرمت مصارفها عشرات المليارات. ولم تجد خياراً سوى استجابتها وسدادها للبقاء على تواصل مع النظام المصرفي الأميركي. وميزانية واحد من تلك المصارف تفوق ميزانية مصارف لبنان المجمّعة، وموازنة لبنان، وناتجه المحلي معاً مئات المرّات.

ما فائدة حزب الله من العراضة الإعلامية- العسكرية التي نظمها في الجنوب على مرأى من قوات الطوارىء الدولية؟ فقط ليفهمنا أن العدو الإسرائيلي "انتقل في معادلة القوة مع الحزب إلى الدفاع من الهجوم". وكان يعلم أن توقيت الأمر يتزامن مع ظروف مناوئة تماماً لما فعل. نقاش الكونغرس الأميركي لتشديد لائحة العقوبات عليه. جولة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في المنطقة موفداً من ترامب لإيداعه تقريراً والبناء عليه. نقاش مجلس الأمن الدولي الوضع في الشرق الأوسط وتركيز مندوبة الولايات المتحدة على إيران والحزب ودورهما في المنطقة. الاتصالات التي يجريها لبنان في واشنطن على أكثر من صعيد تلافياً للائحة عقوبات جديدة. ردة فعل محتملة على الخطوة من الأمم المتحدة التي لم تتأخر في اعتبارها خرقاً لقرار مجلس الأمن 1701. هل كل تلك الاعتبارات تصب في مصلحة حزب الله؟ في مصلحة لبنان؟ أَفهمونا. الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الجنوب بعد تلك العراضة، مصحوباً بوزير الدفاع وقائد الجيش، كانت كمن يطلب براءة ذمة من المجتمع الدولي تأكيداً لمرجعية دولة وسلطانها على أراضيها والتزامها القرار 1701.

أسوأ ما يمكن اللجوء إليه من عقوبات على هذه المرة نرى احتمالاً في الآتي:

أولاً: أن يُرغَم مصرف لبنان على وقف المقاصة بالدولار الاميركي. فمقاصة المصارف المركزية تكون بعملاتها التي لها حق إصدارها والتحكم بها وسحبها من التداول. أما الدولار الأميركي فعملة الولايات المتحدة ومجلس الاحتياط الفدرالي. وشأن الأخير شأن مصرف لبنان مع الليرة. معني برقابة الكتلة النقدية في داخل الولايات المتحدة وخارجها، وبطبيعة استخدام الدولار الأميركي، وحامليه، وغاياتهم، وقنوات عبوره في النظام المالي والمصرفي الدولي، وفي النظام المصرفي والمالي الأميركي خصوصاً. لو حصل هذا الاحتمال فعقوبة قاسية على لبنان، لا نعلم الملاذ منها في بلد زهاء 65 في المئة من ودائعه بالعملة الأميركية. واقتصاده شبه مدولر استثماراً وانتاجاً واستهلاكاً. الخزانة الأميركية تعلم أن مقاصة مركزية بالدولار الأميركي تحجب عنها رقابة تبادل الشيكات المصرفية بعملتها وبأسماء أصحابها والمستفيدين منها والمصارف التي تتبادل الشيكات في الغرفة المقفلة، بدلاً من الممر الإجباري في مقاصة نيويورك. ومآل الشيكات النهائي بالدولار الأميركي سيعبر ذلك الممر. إنما برقابة مستأخَرة تريدها الخزانة مستقدَمة. نحسب أن الأجهزة الأميركية والاستخبارات المالية لديها لائحة ميوممة بالمستفيدين من المقاصة وبالأسماء أفراداً ومؤسسات وأشخاصاً إعتباريين. وتعلم تلك الأجهزة أن لبنان مازال وحده في العالم يعتمد الحسابات الرقمية المكتومة الأسماء.

ثانياً: توسيع العقوبات لتشمل كيانات اقتصادية واجتماعية محسوبة على حزب الله، سيعقد الأمور على الحزب والمصارف ومصرف لبنان. وسيلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد لا قِبل على احتوائه. غضَّت الخزانة الأميركية الطرف عن هذا الأمر في 2016. الحديث عن شمول العقوبات أحزاباً حليفة للحزب قد يكون مبالغاً فيه. هناك سياسيون حلفاء مشمولون أفراداً بالعقوبات. أما أن تصل العقوبات إلى حركة أمل كما تردد في وسائل إعلام، فأمر مستبعد لأكثر من اعتبار لا تسقطه الإدارة الأميركية من حسابها. إن حصل العكس، فنحن أمام استراتيجيا جديدة تستهدف لبنان. وعند ترامب جديد في كل يوم.

ثالثاً: استنفد مصرف لبنان سياسة مسك العصا من الوسط. ليس في وسعه إرغام المصارف على اجراءات من خارج قانون النقد والتسليف. تدابير 2016 كانت "تسوية بالرضا والقبول". من بين "أغراض الهندسة المالية" الشهيرة تعويض المصارف ما ترتّب على اقتفاء أثر العقوبات. لكن من يعوض لبنان واللبنانيين؟ الجواب عند حزب الله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها