الخميس 2017/03/09

آخر تحديث: 07:38 (بيروت)

بترول لبنان: أخطاء مميتة لمصلحة إسرائيل

الخميس 2017/03/09
بترول لبنان: أخطاء مميتة لمصلحة إسرائيل
غاز لبنان مهدّد (Getty)
increase حجم الخط decrease

كان شبح إسرائيل حاضراً منذ إنطلاق الملف النفطي- الغازي لبناني في مسيرته على الساحة السياسيّة اللبنانيّة. في الواقع، خرج هذا الملف إلى الضوء تحديداً في سياق الكلام عن هواجس لبنان من تعدّي إسرائيل على ثروته النفطيّة- الغازية، في خطاب رئيس مجلس النواب نبيه برّي "النفطي" الشهير، في العام 2009. وحتى اللحظة، لم تخطُ السلطة أولى الخطوات التي تضعها على طريق حماية حصّة لبنان في حقول النفط والغاز المشتركة.

حقول مشتركة جنوباً وغرباً
هواجس ما قبل التشريعات والمراسيم النفطيّة أصبحت أمراً مثبتاً بعدها، كما أكّد بالفعل وزير الطاقة السابق آرتور نظاريان وأعضاء هيئة إدارة قطاع البترول لبرّي في اجتماع سابق. إذ أعلن الوفد يومها أنّ وجود مكامن نفطيّة- غازية مشتركة مع إسرائيل مثبت بمسوحات جيوفزيائيّة ودراسات عدّة، ولم يعد يمكن الفصل بين هذا الملف وحسابات كل من إسرائيل وقبرص النفطيّة- الغازية.

وقد بيّنت دراسة أعدّتها هيئة النفط- إرتكازاً على المسوحات التي تمّت- أنّ البلوك رقم 9 تحديداً احتوى على مكامن نفطيّة- غازية لبنانيّة يمكن أن تشكّل امتداداً لحقل كاريش الإسرائيلي. بينما أكّدت دراسة أميركيّة أنّ البلوك رقم 8 احتوى على مكامن لبنانيّة مشتركة مع حقول إسرائيليّة وقبرصيّة، أهمّها حقلا تانين ولفيتان اللذان يحتويان على كمّيات كبيرة من الغاز.

وفي كل الحالات لم تنتظر إسرائيل أي ترتيبات لتحديد حصّة لبنان في هذه الحقول واحترامها. فقد وقّعت مثلاً مجموعة الشركات المستثمرة لحقل لفيتان الإسرائيلي إتفاقاً مع شركة إنتاج طاقة بقيمة 1.2 مليار دولار، لتزويدها بالغاز الذي ستقوم باستخراجه من هذا الحقل. بينما تتوقّع إسرائيل مباشرة أعمال الاستخراج في حقولها الشماليّة نهاية العام 2017، أو مطلع العام 2018 كحد أقصى.

تؤكّد هذه المعلومات وجود كميّات تجاريّة ضخمة من الغاز الطبيعي في المياه البحريّة في جنوب لبنان. ما يعني تلقائيّاً تحفيز الشركات المشغّلة على زيادة المبالغ المطروحة في المزايدات المقبلة على إستثمار البلوكات الجنوبيّة. لكنّ هذه المعلومات تعني أنّ غاز لبنان مهدّد، بحكم إشتراكه مع حقول ستقوم إسرائيل بمباشرة أعمال الإستخراج فيها.

أخطاء لبنانيّة مميتة
بدأت الإشكاليّة الحدوديّة مع إسرائيل من مفاوضات لبنان مع قبرص لترسيم حدوده. إذ وقّع لبنان، في العام 2007، إتفاقاً مع قبرص لتحديد المنطقة الإقتصاديّة الخالصة للبلدين، وقام الإتفاق على ترسيم نقاط حدوديّة مرتكزاً على مبدأ امتداد الأرض. لكنّ لبنان امتنع لاحقاً عن إبرام الإتفاق، إذ اكتشف المسؤولون أن هذا الترسيم سيؤدّي إلى توسيع مساحة المنطقة الإقتصاديّة الخاضعة لإسرائيل على حساب لبنان.

لكنّ الامتناع عن إبرام هذا الإتفاق بعد توقيعه من قبل لبنان لم يؤدِ إلى وقف مفاعيله، إذ باشرت إسرائيل مفاوضاتها الخاصّة مع قبرص إنطلاقاً من نتائج هذا الإتفاق ومن نقطة الحدود المشتركة التي حدّدها بين الدول الثلاث. ثم قام لبنان بتوجيه كتاب اعتراض إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وحدّد بموجب هذا الكتاب المساحة المسلوخة من منطقته الإقتصاديّة بموجب ترسيم الحدود القبرصي- الإسرائيلي بـ840 كلم2.

يقول خبير النفط الدولي نقولا سركيس إن سبب هذه المشكلة كان أوّل خطأ ارتكبه المسؤولون اللبنانيون عن هذا الملف، وهو مثال لانعدام الجديّة في التعاطي منذ البداية مع هذه القضيّة. فتسرّع المفاوض اللبناني في الموافقة على خط منحرف عند رسم الحدود البحرية مع قبرص، سمح لإسرائيل بإقتطاع هذه المساحة من المياه اللبنانية التي تغطي على الأرجح مكامن غنية بالنفط والغاز. وبينما ضمّ الوفد اللبناني مهندسين فحسب، شمل الوفد القبرصي تسعة خبراء محنكين.

وتصبح قضيّة الترسيم المتنازع عليها أكثر تعقيداً حين نلتفت إلى وجود متغيرات عديدة تتحكّم بتحديد هذه الحدود، فضلاً عن المفاوضات اللبنانيّة- القبرصيّة والقبرصيّة- الإسرائيليّة والتحفظ التركي. إذ يخضع هذا الترسيم أيضاً لنتائج مفاوضات سابقة بين قبرص ومصر من جهة، وإشكاليّة لبنانيّة- سوريّة تم سحبها من التداول الإعلامي سريعاً من جهة ثانية. كما أن القانون الدولي لم يحدّد نظاماً واحداً ومحدّداً لترسيم الحدود البحريّة، والخلافات المتعلّقة بهذه الحدود متروكة للمفاوضات الثنائيّة بين الدول.

وفي كل الأحوال، فإن إسرائيل لا تنتظر نتائج المفاوضات، بل تتابع أعمال الإستكشاف مثلاً في حقل كارديش المحاذي لحدود لبنان الجنوبيّة، بغض النظر عن حدود المنطقة الإقتصاديّة الخاصّة بلبنان.

حلول القانون الدولي
يبدو خيار "التحكيم الدولي" أبعد الخيارات المتاحة حاليّاً أمام لبنان لحل مسألة حدوده المائيّة، إذ إنّ هذا الخيار يتطلّب مفاوضات مباشرة بين الطرفين في كل ما يختص بطريقة تشكيل محكمة التحكيم وعناصرها والقوانين التي ستعتمدها. ويتطلّب وجود الثقة وحسن النيّة لتنفيذ أحكام التحكيم. وهو ما لا يتوفّر في حالة لبنان، لا من ناحية العداوة والمقاطعة بين الدولتين، ولا من ناحية ضرورة العجلة بالنظر إلى مباشرة الطرف الإسرائيلي أعمال الإستثمار في الحقول الحدوديّة.

يمكن للبنان اللجوء إلى محكمة العدل الدوليّة. وفي هذه الحالة على الدولتين الموافقة مسبقاً على صلاحيّة هذه المحكمة للنظر في القضيّة، وعلى إلزاميّة قراراتها. بالتالي، من الممكن مقاضاة إسرائيل أو فرض حلول عليها في حال وصول النزاع إلى مكان يفرض على إسرائيل الموافقة على حلّها ضمن إطار المحكمة. أمّا في حال رفضت إحدى الدولتين الاعتراف بصلاحيّة المحكمة في النظر بالقضيّة، فلا يمكن إحالة القضيّة إليها.

أمّا المحكمة الدوليّة لقانون البحار، فهي تطلب إقراراً مسبقاً من الطرفين بصلاحيّتها للنظر في القضيّة. مع العلم أن لبنان انضم إلى إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لكنّه لم يصرّح عن صلاحيّة المحكمة لحل نزاعاته الحدوديّة وفق الإتفاقيّة.

يبقى أمام لبنان خيار اللجوء إلى الوساطات الدوليّة لحل النزاع. وهو ما حاولت أن تفعله مسبقاً ثلاث وساطات قامت بها كل من الولايات المتحدة وقبرص والأمم المتحدة. لكن لم يُكتب لأي من هذه الوساطات النجاح.

يبدو أنّ لبنان متجه إلى خسارات إضافيّة في ثروته من النفط والغاز، ما لم تبادر الحكومة إلى إطلاق معركة ديبلوماسيّة في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من غاز الحقول المشتركة والمكامن الواقعة ضمن المياه المتنازع عليها. فمباشرة الإنتاج من الجانب الإسرائيلي متوقّعة خلال سنة، بينما لا يبدو أنّ لبنان قد حقّق أي تقدّم في حماية ثروته من هذه الناحية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها